الاعتزال، ولقد قاموا وقعدوا واحتالوا على دفعه فما أتوا بشئ مقنع واحتجوا أيضا، بأنه كلف أبا لهب بتصديقه صلى الله عليه وآله وسلم في جميع ما جاء به، ومنه أن لا يصدقه، فصار مكلفا بأنه يؤمن بأنه لا يؤمن، وهو جميع بين النقيضين.
أجابت العدلية: أنه لم يكلف أن يعلم أنه كافر، وانه من أهل النار، كما لم يكلف أن يعلم أن في المدينة منافقون، وان امرأة لوط من أهل النار، وامرأة فرعون من أهل الجنة، وأن الله سبحانه أغرق فرعون وقومه، وخسف بقارون، وأيضا كفره سبب للاعلام من الله تعالى بأنه كافر، وقد فعل الكفر باختياره من غير مانع، لا أن ذلك الاعلام سبب لحمول كفره، وإذا لم يكن الاعلام سببا لكفره ، لم يلزم التكليف من الله بالكفر، بل حصل منه الكفر باختياره، وأيضا لم يكلف أبو جهل بالعلم بأنه كافر لحصوله عنده بسبب كفره ، فهو عالم بأنه جاحد لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنكر لشرعه، وإذا كان كذلك، كان تكليفه بأن يعلم ذلك محالا، إذ هو تحصيل الحاصل، وتحصيل الحاصل محال، وامر الحكيم به محال، فثبت أنه لم يكلف إلا بالايمان بالله فقط، وأيضا قد حصل العلم الضروري بقبح ذلك في الخالق والمخلوق، فان من كلف الأعمى بنقط المصحف، ومن لا جناح له بالطيران عد تكليفه سفها، وسخفا، وذم عند العقلاء، وما ذاك إلا لكونه تكليفا بما لا يطاق، فيجب قبحه أيضا في حق الله تعالى لحمول العلة الموجبة لقبحه.
وقال الحاكم: التكليف بما لا يطاق على سبيل الجملة معلوم قبحه ضرورة. انتهى