البلاغة مطلقا (ولا عكس) بالمعنى اللغوي: أي ليس كل فصيح بليغا، لجواز ان يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال، وكذا يجوز ان يكون لأحد ملكة يقتدر بها التعبير عن المقصود بلفظ فصحيح من غير مطابقة لمقتضى الحال.
(و) علم أيضا (ان البلاغة) في الكلام (مرجعها) أي ما يجب ان يحصل حتى يمكن حصولها، كما يقال مرجع الجود إلى الغنى (إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) والا لربما أدى المعنى المراد بلفظ فصيح، غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا (والى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) والا لربما أورد الكلام المطابق لمقتضى الحال بلفظ غير فصيح، فلا يكون أيضا بليغا لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة، ويدخل في تمييز الكلام الفصيح من غيره تمييز الكلمات الفصيحة من غيرها لتوقفه عليها.
(والثاني) أي تمييز الفصيح من غيره (منه) أي بعضه (ما يبين) أي يوضح (في علم متن اللغة) كالغرابة.
وانما قال في علم متن اللغة أي معرفة أوضاع المفردات لان اللغة أعم من ذلك لأنه يطلق على سائر أقسام العربية، يعنى به يعرف تمييز السالم من الغرابة عن تمييز غيره، بمعنى ان من تتبع الكتب المتداولة وأحاط بمعاني المفردات المأنوسة علم أن ما عداها مما يفتقر إلى تنقير أو تخريج، فهو غير سالم من الغرابة.
وبهذا تبين فساد ما قيل إنه ليس في علم متن اللغة ان بعض الألفاظ مما يحتاج في معرفته إلى أن يبحث عنه في الكتب المبسوطة في اللغة (أو) في علم (التصريف) كمخالفة القياس إذ به يعرف ان الأجلل مخالف (للقياس) دون الاجل (أو في علم النحو) كضعف التأليف والتعقيد اللفظي (أو يدرك بالحس) كالتنافر، إذ به يعرف ان مستشزرا متنافر دون مرتفع.
وكذا تنافر الكلمات (وهو) أي ما يبين في العلوم المذكورة أو ما يدرك بالحس، فالضمير عائد إلى ما، ومن زعم أنه عائد إلى ما يدرك بالحس فقدسها سهوا ظاهرا.
(ما عد التعقيد المعنوي) إذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحس تمييز السالم من