إن كنت قد كفرت بعد إيمانكم وشككت فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الاسلام فاقتل الكفار حيث لقيتهم وأنخن في النساء والصبيان، كما قال نوح عليه السلام (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فقبل قولها بسط سيفه فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم، فإذا وطئ بلدا فعل هذا به إلى أن يجيبه أهله، ويدخلوا في ملته فيرفع السيف ويضع الجبابة، فعظم أمره واشتدت شوكته وفشا عماله في السواد، فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس وشكوا إليه أمرهم، قالوا:
ليس ببننا وبين القوم إلا ليلتان وسيرتهم ما علمت، فقال لهم الأحنف: إن سيرتهم في مصركم إذا ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوكم، وحرضهم فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل بالسلاح فأتى عبد الله بن الحارث بن نوفل وسأله أن يؤمر عليهم أميرا، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة وكان فارسا شجاعا دينا، فأمره عليهم فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا فضة، وإني لا حارب قوما إذا ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم، فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع، فرجع نفر يسير، فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع واقتتلوا قتالا شديدا حتى تكسرت الرماح، وعقرت الخيل، وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمد فقتل في المعركة ابن عبيس وذلك في جمادى الآخرة سنة خمسة وستين، وقتل نافع بن الأزرق، والشراة يومئذ ستمائة رجل، وكانت الحدة وبأس الشراة واقعا ببنى تميم وبنى سدوس، واسخلف ابن عبيس وهو يجود بنفسه الربيع بن عمرو الغداني وكان يقال له: الأجذم، وكانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة، واستخلف نافع بن الأزرق عبيد الله بن بشير أحد بنى سليط ابن يربوع، ولم يزل الربيع يقاتل الشراة نيفا وعشرين يوما، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة، إني رأيت البارحة كان يدي التي أصيبت بكابل