شرح شافية ابن الحاجب - رضي الدين الأستراباذي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٥
عرابة باليمين: أي بقوة وبطش واجتهاد وانشراح صدر، وفى قوله " تلقاها " ما يشعر بهذا المعنى أشد من قوله أخذها، وهذا البيت دل به على الأخلاق العتيدة والفضائل النفسية، وأما البيت الأول فدل به على الافعال الحميدة والخيرات المشاهدة، فصار البيت الأول توطئة للثاني، وكالدال عليه والمثبت له، فإن الافعال المشاهدة سابقة في الاحساس لما في النفس ودالة عليه، فتلمح ذلك وأعجب لشرف طباع هؤلاء كيف تسمو بهم جودة القريحة وصحة الفكرة والروية إلى مثل هذا، انتهى كلامه.
ومثله للمبرد في الكامل قال: قوله " تلقاها عرابة باليمين " قال أصحاب المعاني معناه بالقوة، وقالوا مثل ذلك في قوله تعالى (والسماوات مطويات بيمينه) وقال معاوية لعرابة بن أوس الأنصاري: بم سدت قومك؟ قال: لست بسيدهم، ولكني رجل منهم، فعزم عليه، فقال: أعطيت في نائبتهم، وحملت عن سفيههم وشددت على يدي حليمهم، فمن فعل منهم مثل فعلى فهو مثلي، ومن قصر عنه فأنا أفضل منه، ومن تجاوزني فهو أفضل منى، وكان سبب ارتفاع عرابة أنه قدم من سفر فجمعه الطريق والشماخ بن الضرار المري فتحادثا، فقال له عرابة: ما الذي أقدمك المدينة؟ قال: قدمت لامتار منها، فملا له عرابة رواحله برا وتمرا وأتحفه بغير ذلك، فقال الشماخ * رأيت عرابة الأوسي يسمو * إلى آخر الأبيات انتهى.
وأما عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فقد قال ابن عبد ربه (1) في العقد الفريد: أجواد أهل الاسلام أحد عشر رجلا في عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم، فأجواد أهل الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص، إلى أن قال: ومن جود عبد الله بن جعفر أن عبد الرحمن بن

(1) انظر العقد الفريد لابن عبد ربه (1: 112)
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»