ومن ثم كانت مأثورات ابن عباس ورواياته في تفسير آيات القرآن أول ما عرف من التفاسير التي تستند في جملتها على الحديث والأثر.
وإذا كان عبد الله بن عباس معدودا في الرعيل الأول مما عاصر الإمام علي رضوان الله عليه فإننا نعلم من ذلك أن للتفسير بالأثر والحديث النبوي من العلوم التي تفرد بها البيت النبوي، وعرف الأئمة قبل غيرهم، واختص بها ابن عباس بتوجيه منهم فلما كان العصر العباسي وازداد اتصال العرب بحضارات الفرس والرومان واليونان، والهند وتلاطمت هذه الحضارات في العقل العربي كما تتلاطم الأمواج في المحيط الواسع - حدث الامتزاج الفكري، فعرف العرب الحضارة المادية من الفرس، ونظم الإدارة وأنواعها، ورأوا ما عليه المجوس من أخلاق وعقائد، وعرفوا من اليونان فلسفتهم، ومنطقهم وعلومهم القديمة واطلعوا على ما عند الهند من حكمة وروحانية.
وتمخض من هذا المزج العجيب عقل عربي مكتمل الجانب بزن الفكرة بميزان الشرع والعقل معا، ويجمع في أحكامه بين المنقول والمعقول وفي القرن الثالث والرابع الهجريين حين بلغت الحضارة الإسلامية مكان الذروة انعكست هذه الجوانب الفكرية في التشريع الإسلامي، فظهرت تلك الروحانيات الخالدة واضحة في علوم الإسلام الدينية، والاجتماعية، والإنسانية.
وكان للتفسير الحظ الأوفر من هذه الجوانب فتعددت مذاهب المفسرين، فمنهم من آثر جانب المنقول فاكتفى في الحديث والأثر، كما