ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير، وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال وأنواع الصناعات، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال الزنديق: فما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض بلا ذنب عمله، ولا جرم سلف منه؟
قال (عليه السلام): إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، ومرض عقوبة، ومرض جعل علة للفناء، وأنت تزعم أن ذلك عن أغذية ودية، وأشربة وبية (1)، أو من علة كانت بأمه، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه، وأجمل النظر في أحوال نفسه، وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض، وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب! قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء وإفلاطون رئيس الحكماء، وجالينوس شاخ ودق بصره وما دفع الموت حين نزل بساحته، ولم يألوا حفظ أنفسهم والنظر لما يوافقها، كم مريضا قد زاده المعالج سقما، وكم من طبيب عالم وبصير بالأدواء (2) والأدوية ماهر مات، وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا، فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله، ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.
ثم قال (عليه السلام): إن أكثر الأطباء قالوا: إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله