الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب - السيد فخار بن معد - الصفحة ١٤٤
رجالا، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس). راجع عما رويناه في (شرح النهج: ٣٦٠ / ١) روى الذهبي في (سير أعلام النبلاء: ٤٣٣ / ٢) ان الخليفة عمر قال له مرة:
(لتتركن الحديث عن رسول الله، أو لألحقنك بأرض دوس).
وقال أبو هريرة. (ما كنا نستطيع ان نقول: قال رسول الله (ص) حتى قبض عمر رضي الله عنه كنا نخاف السياط).
وقال أيضا ": (لقد حدثتكم بأحاديث. لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني بالدرة) الحديثان عن (سير أعلام النبلاء: ٤٣٣ و ٤٣٨ / ٢).
وقال هو أيضا ": (حفظت من رسول الله وعاءين: فاما أحدهما فبثثته، واما الاخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم).
وفي رواية قال أبو هريرة: (حفظت من رسول الله خمسة جرب، فأخرجت منها جرابين، ولو أخرجت الثالث لرجمتموني بالحجارة) (ولو حدثتكم بكل ما في كيسي لرميتموني بالبعر) عن (سير أعلام النبلاء ٤٢٩ و ٤٣٠ و ٤٤٢ / ٢).
وقال: (كذبت حتى رميت بالقشع) - اي كناسة الحمام - عن (الكامل:
للمبرد: ١٢٤ / ٢ / ط البابي مصر ١٩٥٦).
وقال: (اني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي) عن (سير أعلام النبلاء: ٤٣٣ / ٢).
ودخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: (أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله:
قال: إي والله يا أماه، ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المكحلة، ولا المدهن.
قالت: لعله) (سير أعلام النبلاء: ٤٣٥ / ٢).
ومرة جلس على باب حجرتها يتحدث ثم قال لها: (يا صاحبة أتنكرين مما أقول شيئا "؟. فلما قضت صلاتها لم تنكر ما رواه، لكن قالت: لم يكن رسول الله يسرد الحديث سردكم) المصدر السابق: ٤٣٧ / ٢.
وروى عكرمة: (ان أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثنتي عشر الف تسبيحة يقول: أسبح بقدر ذنبي) المصدر السابق. ٤٣٧ / ٢.
وهذا العدد الوافر الذي رواه أبو هريرة حتى تجاوز آلاف، كانت في مدة صحبته لرسول الله (ص) التي لم تتجاوز ثلاث سنين. ثم إن أبا هريرة عند وفاة أبي طالب كان في اليمن، ولم يدخل في الاسلام بعد، فجاء إلى المدينة في العام السابع من الهجرة والرسول بخيبر، وأبو طالب قد مضت على وفاته عشر سنين فمن أين سمع هذا الحديث؟. راجع مفصل تاريخ هذا الصحابي في كتاب (أبي هريرة لآية الله المجاهد المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين) وكتاب (شيخ المضيرة، أبو هريرة الدوسي، للكاتب الأزهري الجليل العلامة محمود أبو رية) وقد طبع بمصر حديثا " للمرة الثانية. والكتاب على جانب كبير من النفاسة والأهمية.
ج - ١ - محمد بن عباد: ذكر الذهبي في (ميزان الاعتدال: ٥٨٩ - ٥٩٠ / ٣) خمسة اشخاص بهذا الاسم: أحدهم - مجهول وقال عنه ابن معين: لا أعرفه والثاني - لم يكن بصيرا " بالحديث، صحف ابن جابر، فقال: ابن جدير. والثالث - لم يحمده ابن معين، وقال ابن عقدة: في امره نظر. والرابع - مجهول.
والخامس - ضعفه الدارقطني.
٢ - ابن أبي عمر: مجهول.
٣ - مروان: ذكر الذهبي في (ميزان الاعتدال: ٨٩ - ٩٤ / ٤) عشرين اسما وكلهم بين: ضعيف ومجهول ويتكلمون فيه، ولا يحتج به، ومتروك، ويروى المقلوبات عن الثقات، ويروي عمن دب ودرج إلى آخر ما هنالك من صفات التضعيف.
٤ - ٥ - ٦ - يزيد بن كيسان، وأبو حازم، وأبو هريرة - تقدم الحديث عنهم وسلسلة رواية مسلم نعطفها على سلسلة رواية البخاري بعد أن وقفنا على حالهم. ثالثا " - سلسلة رواية السيوطي:
آ - ١ - أبو سهل السري بن عاصم بن سهل - أو أبو عاصم الهمداني -: وهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وكذبه ابن خراش. وقال الذهبي: في (ميزان الاعتدال: ١١٧ / ٢) (ومن مصائبه انه اتى بحديث: رأيت حول العرش وردة مكتوبا " فيها محمد رسول الله، أبو بكر الصديق). وراجع (البداية والنهاية: ٣٥٤ / ٥ واللئالي المصنوعة للسيوطي: ٨٠ / ٢) ٢ - عبد القدوس بن حبيب، أبو سعيد الشامي الدمشقي: قال عبد الرزاق:
ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب ألا لعبد القدوس، وقال الفلاس: اجمعوا على ترك حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة الاسناد والمتن. وقال إسماعيل بن عياش: لا اشهد على أحد بالكذب إلا على عبد القدوس، وقال ابن حيان: كان يضع على الثقات، راجع (ميزان الاعتدال:
٦٤٢ / ٢، لسان الميزان: ٤٦ / ٤، تاريخ بغداد للخطيب: ١٢٧ / ١١، اللئالي المصنوعة ٢٠٧ / ١).
٣ - أبو صالح ذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال ٥٣٩ / ٤) (عن عكرمة، عن ابن عباس. لا يعرف. وجاء بحديث باطل. فيقال: هو إسحاق ابن نجيح).
٤ - ابن عباس: ولد ابن عباس في العام الثالث من الهجرة في شعب أبي طالب حين حصر الرسول وبنو هاشم فيه. فمن أين سمع هذا الحديث الدائر بين أبي طالب وبين رسول الله (ص)؟ اللهم اعلم أنه موضوع عليه. راجع (الإصابة: ت ٤٧٨١).
ب - ١ و ٢ - هو السري بن عاصم، وعبد القدوس، تقدم الحديث فيهما.
٣ - نافع: لا نستطيع ان نعينه من بين الأسماء التي يوردها الذهبي في (ميزان الاعتدال: ٢٤١ - ٢٤٤ / ٤) والكثير منهم ضعيف، ومتروك الحديث والذي تبدل في ساعة مائة مرة، وهكذا.
٤ - ابن عمر: ميلاد عبد الله بن عمر في العام الثالث من الهجرة فهو في وفاة أبي طالب قد شارف السبعة أعوام، وليس من المعقول ان يحضر في هذه السن احتضار أبي طالب لينقل ما دار في المجلس بينه وبين رسول الله. راجع (الإصابة ت ٤٨٣٤).
ورواة سلسلة السيوطي لا يختلفون عن زملائهم السابقين، وإذا اكتفينا من ناحية دراسة الرواة وانهم غير صالحين للاعتماد عليهم في قبول هذا الحديث للأسباب الماضية، نعود لنستعرض أقوال المفسرين فيها.
في تفسير الآية:
ان الآية نجدها بين آيتين، وهي وسطى بينهما:
(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم، لا نبتغي الجاهلين. إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين. وقالوا: ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا...؟ أو لم نمكن لهم حرما آمنا " يجبي إليه ثمرات كل شئ من لدنا..؟ ولكن أكثرهم لا يعلمون (سورة القصص: ٥٥ - ٥٧).
(فالآية الأولى: مختصة بالمؤمنين، تصف عملهم.
والثالثة: تصف الذين لم يؤمنوا، مخافة ان يتخطفوا من أرضهم - كما يزعمون - اي يستلبون.
والآية الثانية: وسطى بينهما. وهي خطاب للرسول (ص) يقول الله له فيها: ان هداية أولئك ليس لحبك لهم، فما أنت بالهادي لهم - بالمعنى الأصيل - اي إنهم لم يهتدوا لسماعهم الدعوة من الرسول فحسب، وإنما لامداد الله ومشيئته..
راجع (تفسير التبيان: للشيخ الطوسي: ٦٤ / ٨).
وليست هذه هي الآية الوحيدة في القرآن مما تحمل هذا المعنى - وهو نسبة الهداية لله - فهي كآيات كثيرة. منها هذه الطائفة:
١ - (ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء) (البقرة: ٢٧٢).
٢ - (ان تحرص على هداهم، فان الله لا يهدي من يضل) (النمل: ٣٧).
٣ - (أتريدون ان تهدوا من أضل الله) (النساء: ٨٨).
٤ - (أفانت تهدي العمي، ولو كانوا لا يبصرون) (يونس: ٤٣).
٥ - (فيضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء) (إبراهيم: ٤٠).
٦ - (من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (الكهف: ١٧).
وعند مقارنة هذه الآيات بالآية المتقدمة نراها تحمل المعنى الذي تحمله تلك الآية، ولا تختلف وكلها تشير إلى أن الهداية تكون بامداد من الله، ولكن في حدود اختيار العبد، لا ان نسلبه حرية الاختيار).
راجع لزيادة التوسع في البحث (الغدير 17 - 22 / 8 وأبو طالب مؤمن قريش: 365 - 367).
وبعد هذا فالرازي يقول في (التفسير الكبير: 2 / 5): (هذه الآية لا دلالة في ظاهرها على كفر أبي طالب).
والآلوسي يقول في تفسيره (روح المعاني: 84 / 20) (ان مساق الآية لتسليته (ص) حيث لم ينجع في قومه الذين يحبهم، ويحرص عليهم أشد الحرص انذاره عليه الصلاة والسلام إياهم، وما جاء به إليهم من الحق، بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا: لولا أوتي مثل ما أوتي موسى، ثم كفروا به وبموسى عليهما الصلاة والسلام، فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه (ص).. الخ).
ثم يقول: (والآية على ما نطقت به كثير من الاخبار نزلت في أبي طالب. الخ) ثم قال: (ومسألة إسلامية خلافية، وحكاية اجماع المسلمين أو المفسرين على أن الآية نزلت فيه لا تصح، فقد ذهب الشيعة وغير واحد من مفسريهم إلى اسلامه وادعوا اجماع أئمة أهل البيت على ذلك، وان أكثر قصائده تشهد له بذلك، وكأن من يدعي اجماع المسلمين لا يعتد بخلاف الشيعة، ولا يعول على رواياتهم، ثم انه على القول بعدم اسلامه لا ينبغي سبه والتكلم فيه بفضول الكلام، فان ذلك مما يتأذى به العلويون، بل لا يبعد ان يكون مما يتأذى به النبي عليه الصلاة والسلام الذي نطقت الآية بناء على هذه الروايات بحبه إياه، والاحتياط لا يخفى على ذي فهم).
وبعد هذا فهل نستطيع ان نحكم بصحة ادعاء هذه الروايات القائلة انها نزلت في أبي طالب عند وفاته حسب الأسلوب المتقدم؟!.