الأئمة الإثني عشر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٧٢
ومع أن الإمام كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكل، وكانت العيون والجواسيس يراقبونه عن كثب، إلا أنه وشي به إلى المتوكل بأن في منزله كتبا وسلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم بالوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن، فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالسا في مجلس الشراب فأدخل عليه والكأس في يده، فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده، فقال الإمام - عليه السلام -: والله ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال له: أنشدني شعرا، فقال علي: أنا قليل الرواية للشعر فقال: لابد، فأنشده وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل (1) قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

(1) ربما يروى ينتقل.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»