قال المأمون: ويحكم إني اعرف بهذا الفتى منكم، وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وإلهامه، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب من الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتى يتبين لكم ما وصفت لكم من حاله. قالوا:
رضينا.
فخرجوا واتفق رأيهم على أن يحيى بن أكثم يسأله مسألة وهو قاضي الزمان فأجابهم المأمون على ذلك.
واجتمع القوم في يوم اتفقوا عليه، وامر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ففعل ذلك، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر - عليه السلام -.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسال أبا جعفر؟
فقال: استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال: سل إن شئت.
فقال: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر - عليه السلام -: في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدئا كان بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم كبارها؟
مصرا كان على ما فعل أو نادما؟ ليلا كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟.
فتحير يحيى وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس أمره.
فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم قال لأبي جعفر - عليه السلام -: اخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي (1).