وكان المعروف بين الشيعة هو الصحيفة الأولى التي تتضمن واحدا وستين دعاء في فنون الخير وأنواع السؤال من الله سبحانه، والتي تعلم الإنسان كيف يلجأ إلى ربه في الشدائد والمهمات، وكيف يطلب منه حوائجه، وكيف يتذلل ويتضرع له، وكيف يحمد ويشكر له. غير أن لفيفا من العلماء استدركوا عليها فجمعوا من شوارد ادعيته صحائف خمسة أخيرتها ما جمعه العلامة السيد محسن الأمين العاملي - قدس سره -.
ولقد قام العلامة الحجة السيد محمد باقر الأبطحي - دام ظله - بجمع جميع أدعية الإمام الموجودة في هذه الصحف في جامع واحد، وقال في مقدمته:
وحري بنا القول إن ادعيته - عليه السلام - كانت ذات وجهين: وجها عباديا، وآخر اجتماعيا يتسق مع مسار الحركة الاصلاحية التي قادها الإمام - عليه السلام - في ذلك الظرف الصعب. فاستطاع بقدرته الفائقة المسددة ان يمنح ادعيته - إلى جانب روحها التعبدية - محتوى اجتماعيا متعدد الجوانب، بما حملته من مفاهيم خصبة، وأفكار نابضة بالحياة، فهو - عليه السلام - صاحب مدرسة الهية، تارة يعلم المؤمن كيف يمجد الله ويقدسه، وكيف يلج باب التوبة، وكيف يناجيه وينقطع إليه، وأخرى يسلك به درب التعامل السليم مع المجتمع فيعلمه أسلوب البر بالوالدين، ويشرح حقوق الوالد والولد، والأهل، والأصدقاء، والجيران، ثم يبين فاضل الأعمال وما يجب أن يلتزم به المسلم في سلوكه الاجتماعي، كل ذلك بأسلوب تعليمي رائع وبليغ.
وصفوة القول: إنها كانت أسلوبا مبتكرا في ايصال الفكر الإسلامي والمفاهيم الإسلامية الأصيلة إلى القلوب الظمأى، والأفئدة التي تهوى إليها لترتزق من ثمراتها، وتنهل من معينها، فكانت بحق عملية تربوية نموذجية من الطراز الأول، أسس بناءها الإمام السجاد - عليه السلام - مستلهما جوانبها من سير الأنبياء وسنن المرسلين (1).