ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذي يقول:
هل للفرد مهما كان عظيما القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهة لها في تحقيق حركتها؟
والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس أن الإنسان عامل ثانوي (1) فيه، والقوى الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلا التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الأساسي.
ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة (2) أن التاريخ يحتوي على قطبين: أحدهما الإنسان، والآخر القوى المادية المحيطة به. وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان، يؤثر الإنسان أيضا فيما حوله من قوى وظروف، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس، فالإنسان والمادة يتفاعلان