السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٦١٨
وقد قال الشيخ محيي الدين الحصور عندنا العنين أي ويدل له ما في البخاري أنه رضي الله عنه ما كشف كنيف امرأة قط أي سترها لأن الكنيف الساتر وقد جاء في تفسير وصف يحيى بن زكريا بحصورا أنه صلى الله عليه وسلم أهوى إلى الأرض وأخذ قذاة وقال كان ذكره يعني يحيى عليه السلام مثل هذه القذاة ولعل المراد التشبيه في الارتخاء وعدم الشدة فلا يخالف ما قبله لكن في النهر الحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك أي وربما يؤيد ذلك ما جاء أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الأعمى ورجل حصور ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فالحصور وصف مذموم إلا في يحيى عليه السلام خصوصية له دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإلا فقد امتن سبحانه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوله * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * قيل وهذا الوصف جاء ليحيى من أثر همة والده زكريا عليهما السلام فإنه لما شهد مريم منقطعة عن الأزواج أحب أن يرزقه الله ولدا مثلها أي منقطعا عن الزوجات فجاء يحيى عليه السلام حصورا ويؤيد ذلك ما في أنس الجليل وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال كذا قيل وهو غير مرضى وقد تكلم القاضي عياض رحمه الله في الشفاء على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله أن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب لا يأتيها فكأنه حصر عنها وأنه حصر نفسه عن الشهوات قمعا لها هذا كلامه فليتأمل أي وعلى الأول لا ينافي ذلك كون صفوان كان متزوجا لما تقدم أن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وسلم أي على أن ابن الجوزي نقل عن شيخه ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى أن صفوان رضي الله عنه إنما تزوج بعد حديث الإفك ومما يدل على أن حسان رضي الله لم يكن من أصحاب الإفك تبرؤه مما نسب إليه في ابيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها * مهذبة قد طيب الله خيمها * وطهرها من كل سوء وباطل * فإن كنت قلت الذي قد زعمتم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي *
(٦١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 613 614 615 616 617 618 619 620 621 622 623 ... » »»