ثم رأيت بعضهم ذكر أن الأظهر عندي أن ابن عبادة لم يقل ذلك حمية لقومه وإنما أراد الانكار على ابن معاذ في كونه يقتل شخصا من قومه الذين هم الأوس مع أنه يظهر الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل من يظهر الإسلام فكأنه قال لا تقل ما لا تفعل ولا تقدر على فعله حيث لم يأمرك بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإنما انتصر أسيد بن حضير لسعد بن معاذ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل الحالة العظيمة التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من يعذره من ذلك القائل وإنكاره على سعد ابن عبادة إنما هو إنكار ظاهر لفظه وإن كان لباطنه مخلص حسن وكم من لفظ ينكر إطلاقه على قائله وإن كان في الباطن له مخلص هذا كلامه ثم رأيت في السيرة الهشامية أن المتكلم أسيد بن حضير وأنه قال يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا الخرزج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل لأن نضرب أعناقهم فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله والله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخرزج ولو كانوا من قومك يعني الأوس ما قلت هذا أي لأن عبد الله بن أبي ابن سلول من الخزرج وكذا حسان بن ثابت رضي الله عنه بناء على أنه كان من أصحاب الإفك وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال ائذن لي يا رسول الله أن اضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهط ذلك الرجل أي من الخزرج فقال كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم وعلى هذه الرواية فلا إشكال وقول البخاري وكانت أم حسان إلى آخره يشعر بأن حسان لم يكن من الخزرج وهو يخالف ما تقدم وما سيأتي أنه من الخزرج إلى أن يقال وصفه بذلك على المسامحة لكون أمه منهم فليتأمل ولا يخفى أن ذكر المنبر يخالف ما في الأصل من أن اتخاذ المنبر كان في السنة الثامنة وقصة الإفك كانت في السنة الخامسة أو السادسة وفي النور المراد بالمنبر شيء مرتفع قال وإلا فالمنبر إنما اتخذ في السنة الثامنة أي فيكون المراد المنبر الذي أتخذ في السنة الثانية كان من الطين والذي كان من الخشب إنما اتخذ في السنة الثامنة وقد بينا ذلك مبسوطا والله أعلم ثم بعد نزول آيات الإفك أي وهي * (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة) * إلى قوله * (أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) * خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس
(٦١٦)