السيرة الحلبية - الحلبي - ج ٢ - الصفحة ٥١٩
قال وعطش صلى الله عليه وسلم عطشا شديدا أي ولم يشرب من الماء الذي جاء به علي كرم الله وجهه في درقته أنه صلى الله عليه وسلم وجدله ريحا فعافه أي كرهه فخرج محمد بن مسلم رضي الله تعالى عنه يطلب له ماء فلم يجد فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير وفي بعض الروايات أن نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعلي كرم الله وجهه يسكب الماء فتزايد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أي معمول من البردى فأحرقته بالنار حتى فصار رمادا فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم انتهى أي لأن البرد له فعل قوي في حبس الدم لأن فيه تجفيفا قويا وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم داوى جرحه بعظم بال أي محرق وقد يقال يجوز أن يكون الراوي ظن ذلك البردى المحرق عظما محرقا بناء على صحة تلك الرواية وعن وضع هذا الرماد الحار عبر بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم اكتوى في وجهه وجعله معارضا للحديث الصحيح في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب بأنهم لا يكتوون وعارضه أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين ليرقأ اي ينقطع الدم من جرحه وكوى أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه لمرض الذبحة ففي كلام بعضهم كان موت أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه بمرض يقال له الذبحة فكواه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بئس الميتة لليهود يقولون أفلا دفع عن صاحبه وما أملك له ولا لنفسي شيئا وأجيب بأن هذا الحديث محمول على من اكتوى خوفا من حدوث الداء أو لأنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يقطع الداء وإذا لم يكوى العضو عطب وبطل وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم لم يتوكل من اكتوى أو على من يفعل مع قيام غيره من الأدوية مقامه ومحمل ما في الخصائص الكبرى أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وتسلم عليه من جانب بيته ثلاثين سنة حتى اكتوى اي لبواسير كانت به فكان يصبر
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»