السيرة الحلبية - الحلبي - ج ١ - الصفحة ٢٥٤
وعن بعضهم قال شاهدت غرابا يقرأ سورة السجدة وإذا وصل إلى محل السجود سجد وقال سجد لك سوادي ومن آمن بك فؤادي والدرة تنطق بالعبارة الفصيحة وقد وقع لي أني دخلت منزلا لبعض أصحابنا وفيه درة لم أرها فإذا هي تقول لي مرحبا بالشيخ البكري وتكرر ذلك فعجبت من فصاحة عبارتها وكان عليه السلام يعرف نطق الحيوان غير الطير فقد جاء أن سليمان عليه السلام سمع النملة وقد أحست بصوت جنود سليمان تقول للنمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فعند ذلك أمر سليمان الريح فوقفت حتى دخل النمل مساكنها ثم جاء سليمان إلى تلك النملة وقال لها حذرت النمل ظلمي قالت أما سمعت قولي وهم لا يشعرون على أني لم أرد حطم النفوس أي إهلاكها إنما أردت حطم القلوب خشية أن يشتغلن بالنظر إليك عن التسبيح أي فيمتن فقد جاء مرفوعا آجال البهائم كلها وخشاش الأرض في التسبيح فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها ويروى ما من صيد يصاد ولا شجرة تقطع إلا بغفلتها عن ذكر الله تعالى وفي الحديث الثوب يسبح فإذا اتسخ انقطع تسبيحه وفي رواية إن النملة قالت له إنما خشيت أن تنظر إلى ما أنعم الله به عليك فتكفر نعم الله عليها فقال لها عظيني قالت هل تدري لم جعل ملكك في فص خاتمك قال لا قالت أعلمك أن الدنيا لا تساوي قطعة من حجر ومن عجيب صنع الله تعالى أن النملة تغتذي بشم الطعام لأنها لا جوف لها يكون به الطعام ويذكر أن هذه النملة التي خاطبت سيدنا سليمان أهدت له نبقة فوضعتها في كفه ويحكى عنها لطيفة لا نطيل بذكرها وفي فتاوى الجلال السيوطي قال الثعالبي في زهرة الرياض لما تولى سليمان عليه الصلاة والسلام الملك جاءه جميع الحيوانات يهنئونه إلا نملة واحدة فجاءت تعزيه فعاتبها النمل في ذلك فقال كيف أهنيه وقد علمت أن الله تعالى إذا أحب عبدا زوى عنه الدنيا وحبب إليه الآخرة وقد شغل سليمان بأمر لا يدري ما عاقبته فهو بالتعزية أولى من التهنئة وجاء في بعض الأيام شراب من الجنة فقيل له إن شربته لم تمت فشاور جنده فكل أشار بشربه إلا القنفذ فإنه قال له لا تشربه فإن الموت في عز خير من البقاء في سجن الدنيا قال صدقت فأراق الشراب في البحر قال وصار إبراهيم وإسماعيل صلوات الله وسلامه عليهما يتبعان الصرد حتى وصلا
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»