خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم، فنظرت إلى فتى حسن الوجه، شديد السمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه. فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق * (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) * (1) ثم تركني ومضى فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي، ونطق باسمي، وما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه ولأسألنه أن يحالني (2) فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني.
فلما نزلنا واقصة (3) إذا به يصلي وأعضاءه تضطرب، ودموعه تجري فقلت:
هذا صاحبي أمض إليه واستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال لي: يا شقيق أتل * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (4) ثم تركني ومضى فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال (5) لقد تكلم على سري مرتين.
فلما نزلنا زبالة (6)، إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (7) يريد أن يستقي