النجوم ليعرف منها قرب نوبة علته فقال: إني سقيم. وأراد أنه قد حضر وقت العلة وزمان نوبتها وشارف الدخول فيها. وقد تسمي العرب المشارف للشئ باسم الداخل فيه، ولهذا يقولون فيمن أدنفه المرض وخيف عليه الموت هو ميت. وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: (إنك ميت وإنهم ميتون) (1) فإن قيل: فلو أراد ما ذكرتموه لقال: فنظر نظرة إلى النجوم ولم يقل في النجوم، لأن لفظة في لا تستعمل إلا فيمن ينظر كما ينظر المنجم.
قلنا ليس يمتنع أن يريد بقوله في النجوم، أنه نظر إليها لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، قال الله تعالى: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) (2) وإنما أراد على جذوعها، وقال الشاعر:
إسهري ما سهرت أم حكيم * واقعدي مرة لذاك وقومي وافتحي الباب وانظري في النجوم * كم علينا من قطع ليل بهيم وإنما أراد انظري إليها لتعرفي الوقت.
(ومنها): أنه يجوز أن يكون الله تعالى أعلمه بالوحي أنه سيمتحنه بالمرض في وقت مستقبل، وإن لم يكن قد جرت بذلك المرض عادته، وجعل تعالى العلامة على ذلك ظاهرة له من قبل النجوم، إما بطلوع نجم على وجه مخصوص أو أفول نجم على وجه مخصوص أو اقترانه بآخر على وجه مخصوص. فلما نظر إبراهيم في الأمارة التي نصبت له من النجوم قال إني سقيم، تصديقا بما أخبره الله تعالى.
(ومنها): ما قال قوم في ذلك من أن كان آخر أمره الموت فهو سقيم، وهذا حسن، لأن تشبيه الحياة المفضية إلى الموت بالسقم من أحسن التشبيه.