تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٤٧
(ومنها): أن يكون قوله إني سقيم القلب والرأي، حزنا من إصرار قومه على عبادة الأصنام. وهي لا تسمع ولا تبصر. ويكون قوله فنظر نظرة في النجوم على هذا المعنى، معناه أنه نظر وفكر في أنها محدثة مدبرة مصرفة مخلوقة. وعجب كيف يذهب على العقلاء ذلك من حالها حتى يعبدوها.
ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى: فنظر نظرة في النجوم، معناه أنه شخص ببصره إلى السماء كما يفعل المفكر المتأمل، فإنه ربما أطرق إلى الأرض وربما نظر إلى السماء استعانة في فكره. وقد قيل إن النجوم هاهنا هي نجوم النبت، لأنه يقال لكل ما خرج من الأرض وغيرها وطلع، انه نجم ناجم، وقد نجم، ويقال للجميع نجوم، ويقولون نجم قرن الظبي، ونجم ثدي المرأة، وعلى هذا الوجه يكون إنما نظر في حال الفكر والاطراق إلى الأرض، فرأى ما نجم منها، وقيل أيضا إنه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه وظهر له بعد أن لم يكن ظاهرا. وهذا وإن كان يحتمله الكلام، فالظاهر بخلافه، لأن الإطلاق من قول القائل: نجوم. لا يفهم من ظاهره إلا نجوم السماء دون نجوم الأرض، ونجوم الرأي، وليس كلما قيل فيه إنه نجم، وهو ناجم على الحقيقة، يصلح أن يقال فيه نجوم بالاطلاق والمرجع في هذا إلى تعارف أهل اللسان. وقد قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني:
إن معنى قوله تعالى: فنظر نظرة في النجوم. أراد في القمر والشمس، لما ظن أنهما آلهة في حال مهلة النظر على ما قصه الله تعالى في قصته في سورة الأنعام. ولما استدل بأفولهما وغروبهما على أنهما محدثان غير قديمين، ولا إلهين. وأراد بقوله إني سقيم. إني لست على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم، وقد يسمى الشك بأنه سقيم كما يسمى العلم بأنه شفاء. قال وإنما زال عنه هذا السقم عند زوال الشك وكمال المعرفة. وهذا الوجه يضعف من جهة أن القصة التي حكاها عن إبراهيم فيها هذا الكلام يشهد ظاهره بأنها غير
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست