وعندما هاجر محمد إلى (يثرب) عاش في حنايا ذلك المجتمع واندمج فيه وحث الذين هاجروا قبله أو معه أو بعده على الاختلاط بأهله كما رأينا في (المؤاخاة) بين الوافدين الذين سماهم (المهاجرين) واليثاربة الذين سماهم (الأنصار) تطبيقا لخطته التي اخذ ينفذها بدأب وإحكام شديدين في قطع صلة اتباعه بالفترة السابقة ورميها في مربع النسيان وصبغ معتنقي دعوته ب (الصبغة الاسلامية) بما في ذلك أسماء بعضهم أو كثير منهم والأماكن التي كانوا يعيشون فيها أو يمرون بها ولم يكتف بتغيير اسم اليثاربة (الأوس والخزرج) إلى (الأنصار) بل غير اسم قريتهم من (يثرب) إلى (المدينة) وحذر من استعمال الاسم القديم وفرض جزاء على من يخطئ فينطق به حتى توارى وأصبح ذكرى عابرة. ولم يكن محمد ملكا أو سلطانا ولذلك لم يؤثر عنه انه تعالى على مجتمع يثرب أو نفر منه أو تهكم عليه بل اختلط بالفاعلين فيه من الدرجات كافة وعاشرهم معاشرة كريمة ومن ثم وبعبقريته الفذة أحاط به وبخباياه وعرف على الفور لا على التراخي محط تفكير اليثاربة من الرجال والنسوان ونعني به العلاقة بينهما وأدرك ان الوافدين عليه سيغمرهم طوفانه خاصة وان المجتمع المكي الذي نشأ فيه غالبيتهم يتشابه ان لم يكن يتماثل حذوك القذة بالقذة - بالمجتمع اليثربي وكان الرباط فيه بين الجنسين أيضا على الدرجة عينها من التوقد والتوهج.
من هنا حاول محمد معالجة هذا النسق الاجتماعي الراسخ بطرق شتى منها: التشجيع على الزواج أو النكاح - وهي تسمية لها مدلولها العميق خاصة في ذلك المجتمع الذي ابتدعها - تشجيعا يدعو إلى الدهشة الوفيرة فهو مرة يقول لطالب الزواج (ابتغ ولو خاتما من حديد) ومرة أخرى يقول (زوجتك إياها بما معك من قرآن) (4).