عجائب الآثار - الجبرتي - ج ٣ - الصفحة ٥٠
وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم وأذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخا لصيده مرارا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك الا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الاسلامية والقرانات الإفرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وأرسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والأرز وأنواع الغلة وزرع ببستانه سائر أصناف الفواكه والنخيل والأعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيا واشترى مماليك وجواري بدلا عن الذين أبادهم بالجملة فكان من غرائب الدهر واخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو ولم يكن له من المناقب الااستظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له أكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول أن الفرنساوية لو اجتهدوا في إزالة جبل عظيم لازالوا في اسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول انا المنتظر وانا احمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له الكثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات تأيلات ورموزا وإشارات ويقولون المراد بالقصرين مكانان جهة الشام أو المحملان أو نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكان سليمان باشا تابعه غائب بالحجاز في امارة الحج الشامي فلما علم أنه مفارق الدنيا احضر إسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلا عنه إلى حضور سليمان باشا من الحج وأعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر وأوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول إليها فاستمر إسماعيل باشا إلى أن اخرجه اتباع المترجمع بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد أمور لم تحقق كيفيتها وذلك
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»