فحفروا أساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا لها خنازير مثل المنارات من الأحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود والقواصر والأعمدة والأخشاب المتينة وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أعاليها وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لان النيل انحسر بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع إلى ناحية انبابة ولم تزل الأرض تعلو والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة إلى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة حتى صار لا يركبها الماء الا في سنين الغرق ثم فحش الامر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة وسبحوا إلى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف جريانه وربت الأرض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير بعد ان كانت نزهة للناظرين ولقد أدركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية بولاق التكرور إلى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل الشون ووكالة الابزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب إلى الجيعانية وينعطف إلى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل النيل شيئاا من التراب فان اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا شيء قد تودع منه ومن أمثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للأمور الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فإنه كان يحذو طريق الحكام السالفين إلى
(٤٣٦)