ورد عليه انسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر فلا يفرغون من ذلك الا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى إلى قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير ويطلب في كل سنة دفتر الأرقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فان وجده خمسمائة أو أربعمائة استبش وانشرح وان وجده ثلاثمائة أو أقل أو نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى أن ربما كانت في أعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والأبقار الحلابة وغير ذلك واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة فشئ لا يعد ولا يحد وكان الانسان الغريب إذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا اليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل إلى الحريم فينام حصة لطيفة ثم يقوم إلى الصلاة وإذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء ورد فإذا قرب
(٣٨٥)