ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد الحنفي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في أنواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ احمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة ومال إلى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل إلى الينبع على هيئة رثة واوى إلى جامعها واتفق له انه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى انه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وأمره ان يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر أولاده بسبب قسمة التركة فاتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فرأى الوزير ان يكتب السؤال ويرسله مع الهجان بأجرة معينة إلى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الأجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع أكثرهم ووقعوا في الحيرة فلما رأى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب واكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره وأقبلت عليه الدنيا فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود اليه فوصل مع الركب إلى مكة وأكرم وعاد إلى
(٢٩٩)