من أهل قرى الأقاليم فان أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في اكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فان لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف إلى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله ومات الاجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمد الشرايبي وكان من أعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهم من أعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الأخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للإعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا فكل من دخل إلى بيتهم من أهل العلم إلى اي مكان يقصد الإعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في اي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فان رده في مكانه رده وان لم يرده واختص به أو باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة واوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة ومن
(٢٨٩)