الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الاحكام من الأدلة فكتبوها فنا قائما برأسه سموه أصول الفقه وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه أملى فيه رسالته المشهورة تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها وكتب المتكلمون أيضا كذلك إلا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع لكثرة الأمثلة ومنها والشواهد وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية والمتكلمون يجردون صور تلك المسائل على الفقه ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم فكتب في القياس بأوسع من جميعهم وتمم الأبحاث والشروط التي يحتاج إليها فيه وكملت صناعة أصول الفقه بكماله وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده وعني الناس بطريقة المتكلمين فيه وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لإمام الحرمين والمستصفى للغزالي وهما من الأشعرية وكتاب العهد لعبد الجبار وشرحه المعتمد لابي الحسين البصري وهما من المعتزلة وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلمين المتأخرين وهما الامام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول وسيف الدين الآمدي في كتاب الاحكام واختلفت طرائقهما في الفن بين التحقيق والحجاج فابن الخطيب أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج والآمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل وأما كتاب المحصول فاختصره تلميذ الامام سراج الدين الأرموي في كتاب التحصيل وتاج الدين الأرموي في كتاب الحاصل واقتطف شهاب الدين القرافي منهما مقدمات وقواعد في كتاب صغير سماه التنقيحات وكذلك فعل البيضاوي في كتاب المنهاج وعني المبتدئون بهذين الكتابين وشرحهما كثير من الناس. وأما كتاب الاحكام للآمدي وهو أكثر تحقيقا في المسائل فلخصه أبو عمر بن الحاجب في كتابه
(٤٥٥)