تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٥٣
بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس ومن بعده صلوات الله وسلامه عليه تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر وأما السنة فاجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على وجوب العمل بما يصل إلينا منها قولا أو فعلا بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه وتعينت دلالة الشرع في الكتاب والسنة بهذا الاعتبار ثم ينزل الاجماع منزلتهما لاجماع الصحابة على النكير على مخالفيهم ولا يكون ذلك إلا عن مستند لان مثلهم لا يتفقون من غير دليل ثابت مع شهادة الأدلة بعصمة الجماعة فصار الاجماع دليلا ثابتا في الشرعيات ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة فإذا هم يقيسون الأشباه بالأشباه منهما ويناظرون الأمثال بالأمثال باجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض في ذلك فان كثيرا من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الالحاق تصحيح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا باجماعهم عليه وهو القياس وهو رابع الأدلة واتفق جمهور العلماء على أن هذه هي أصول الأدلة وإن خالف بعضهم في الاجماع والقياس إلا أنه شذوذ وألحق بعضهم بهذه الأربعة أدلة أخرى لا حاجة بنا إلى ذكرها لضعف مداركها وشذوذ القول فيها فكان أول مباحث هذا الفن النظر في كون هذه أدلة فاما الكتاب فدليله المعجزة القاطعة في متنه والتواتر في نقله فلم يبق فيه مجال للاحتمال وأما السنة وما نقل إلينا منها فالاجماع على وجوب العمل بما يصح منها كما قلناه معتضدا بما كان عليه العمل في حياته صلوات الله وسلامه عليه من إنفاذ الكتب والرسل إلى النواحي بالاحكام والشرائع آمرا وناهيا وأما الاجماع فلاتفاقهم رضوان الله عليهم على إنكار مخالفتهم مع العصمة الثابتة للأمة وأما القياس فبإجماع الصحابة رضي الله عنهم عليه كما قدمناه هذه أصول الأدلة ثم إن المنقول من السنة محتاج إلى تصحيح الخبر بالنظر في طرق النقل وعدالة الناقلين لتتميز الحالة المحصلة للظن بصدقه الذي هو مناط وجوب العمل وهذه أيضا من قواعد الفن ويلحق بذلك عند التعارض بين الخبرين وطلب المتقدم منهما
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»