الماوردي البصري الشافعي صاحب التصانيف المليحة الجيدة روى عنه الخطيب ووثقه ومات في شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربع مائة وبينه وبين القاضي أبي الطيب الطبري في الوفاة أحد عشر يوما ولي القضاء ببلدان كثيرة ثم سكن بغداد وتفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة وارتحل إلى أبي حامد الإسفراييني ودرس بالبصرة سنين كثيرة ومن تصانيفه تفسير القرآن سماه النكت والعيون وكتاب الحاوي في الفقه يدخل في عشرين مجلدا وكتاب الإقناع في الفقه أيضا وأدب الدين) والدنيا والأحكام السلطانية وسياسة الملك وقوانين الوزارة وتعجيل النصر وتسهيل الظفر وكتاب في النحو وكان عظيم القدر متقدما عند السلطان قال أبو عمرو ابن الصلاح وهو متهم بالاعتزال وكنت أتأول له وأعتذر عنه حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم قال في تفسيره في الأعراف لا يشاء عبادة الأوثان وقال في قوله تعالى جعلنا لكل نبي عدوا على وجهين معناه حكمنا بأنهم أعداء والثاني تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل وكان لا يتظاهر بالانتساب إلى أهل الاعتزال بل يتكتم ولكنه لا يوافقهم على خلق القرآن ويوافقهم في القدر ولا يرى صحة الرواية بالإجازة وذكر أنه مذهب الشافعي وكان القادر قد تقدم إلى أربعة من الأئمة في المذاهب الأربعة ليضع كل واحد مختصرا في الفقه فوضع الماوردي الإقناع ووضع القدوري مختصره ووضع عبد الوهاب المالكي مختصرا ووضع من الحنابلة واحد مختصرا وعرضت عليه فخرج الخادم إلى الماوردي وقال له قال لك أمير المؤمنين حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا وكان قد سلك طريقا في توريث ذوي أرحام القريب والبعيد سواء فجاء إليه كبير من الشافعية فقال له اتبع ولا تبتدع فقال بل أجتهد ولا أقلد فانصرف عنه ولما تلقب بأقضى القضاة أنكر الصيمري والطبري أبو الطيب وغيرهما ذلك هذا بعد أن كتبوا خطوطهم لجلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بجواز أن يتسمى بملك الملوك الأعظم فلم يلتفت إليهم وتلقب بأقضى القضاة إلى أن توفي وقيل أنه لم يظهر شيئا من تصانيفه في حياته وجمعها كلها في مكان ولما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه إن كتبي لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة لله تعالى لم يشبها كدر فإذا أنا وقعت في النزع وعاينت الموت اجعل يدك على يدي فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء منها واعمد إلى الكتب وألقها في دجلة وإن بسطت يدي ولم أقبضها على يدك فاعلم أنها قد قبلت وأني قد ظفرت بما كنت أرجوه قال فلما وقع النزع وضع يده في يده فبسطها
(٢٩٨)