الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٢١ - الصفحة ٢٧١
المذكور من أكبر المقدمين وهدموها وطموا خنادقها وكانت حصينة ثم إن الموفق كتب إلى الخبيث يؤمنه ويطلب منه الرجوع والتوبة والإنابة فقرأه ولم يجب عنه بشيء فتوجه الموفق بعساكره إلى المختارة مدينة الخبيث فرأى حصانتها بالأسوار والخنادق وبما فيها من المناجيق وغيرها من آلات الحصار فهاله ذلك وأكبره وكان الموفق في خمسين ألف رجل والخبيث في زهاء ثلاث مائة ألف فنادى الموفق بالأمان للناس أسودهم وأبيضهم إلا الخبيث وكتب بذلك رقاعا ورماها في السهام إلى داخل المدينة وأمر ببناء مدينة سماها الموفقية بإزاء مدينة المختارة وأقام بها الأسواق وكثر التجار وبنى الجامع وصلى الناس فيه واتخذ بها دور ضرب ورغب الناس في سكناها فاستأمن من أصحاب الخبيث خمسة آلاف رجل من بين أسود وأبيض وبث الموفق السرايا فما كان يخلو يوم من أن يؤتى برؤوس القتلى من أصحاب الخبيث وكان يرمي بالرؤوس إلى مدينة الخبيث في المنجنيقات فاستولت الرهبة على أصحاب الخبيث ومنعوا من الميرة ولم تزل الحروب بينهم إلى أن استولى الموفق على أسوار المختارة فأحرق ما هناك من آلات الحصار واستأمن كثير من خواص الخبيث وهرب منهم جماعة وقحطوا وأكلوا السرطانات والضفادع والحشرات ولحوم القتلى والكلاب والسنانير وذبحوا الأطفال وطبخوهم وأكلوهم لعدم وصول الميرة إليهم وملكوا دور الخبيث فهرب بأولاده إلى مضايق أشبة في نهر الخصيب لا تصل السفن إليها ولا الخيل وسد المنافذ فجمع الموفق العساكر وزحف إليه فبرز إليه الخبيث بنفسه فيمن بقي معه وهو يقول من الطويل * سأغسل عني العار بالسيف جالبا * علي قضاء الله ما كان جالبا * * وأذهل عن داري وأجعل نهبها * لعرضي من باقي المذلة حالبا) * (فإن تهدموا بالغدر داري فإنها * تراث كريم لا يبالي العواقبا * * إذا هم ألقى بين عينيه عزمه * ونكب عن ذكر العواقب جانبا * * ولم يستشر في رأيه غير نفسه * ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا * فالتحم القتال وكثرت الجراح وصدق المسلمون القتال وثبت أصحاب الخبيث ثم هزموا وقتل منهم جماعة وأسر جماعة من أكابر خواصه فضرب الموفق أعناقهم ودخل أصحاب الموفق دار الخبيث وأخذوا حرمة وأولاده الذكور والإناث وكانوا أكثر من مائة وهرب الخبيث فجهزت العساكر خلفه فلم يزالوا في طلبه إلى أن قتلوه وجئ برأسه إلى الموفق فلما رآه وعرفه سجد لله تعالى شكرا وعلق رأسه على رمح وطيف به في العسكر وهرب من جماعة الخبيث نحو ألفي زنجي فماتوا في البرية عطشا واستأصل الله شأفتهم
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»