حدثني رجل من قريش قال خرجت خرجت حاجا فخرجنا نصلي في بعض الطريق فجاءنا غلام فقال فيكم أحد من أهل البصرة فقلنا كلنا من أهل البصرة قال إن مولاي من أهلها وهو يدعوكم فقمنا إليه فإذا هو نازل على عين ماء فقال إني أحب أن أوصي إليكم ثم رفع رأسه يترنم المديد * يا بعيد الدار عن وطنه * مفردا يبكي على سكنه * * كلما جد الرحيل به * زادت الأسقام في بدنه * ثم أغمي عليه فأفاق وهو يقول * ولقد زاد الفؤاد هوى * هاتف يبكي على فننه * * شفه ما شفني فبكى * كلنا يبكي على شجنه * ثم مات فقلنا للغلام من مولاك فقال العباس بن الأحنف فأصلحنا من شأنه وصلينا عليه ودفناه رحمه الله وطلبه يحيى بن خالد البرمكي يوما فقال إن مارية هي الغالبة على أمير المؤمنين وإنه جرى بينهما عتب فهي بعزة دالة المعشوق تأبى أن تعتذر وهو بعز الخلافة وشرف الملك والبيت يأبى ذلك وقد رمت الأمر من قبلها فأعياني وهو أحرى أن تستفزه الصبابة فقل شعرا تسهل به عليه هذه القضية وأعطاه دواة وقرطاسا وطلبه الرشيد فتوجه إليه ونظم العباس بن الأحنف قوله الكامل * العاشقان كلاهما متغضب * وكلاهما متوجد متجنب * * صدت مغاضبة وصد مغاضبا * وكلاهما مما يعالج متعب * * راجع أحبتك الذين هجرتهم * إن المتيم قلما يتجنب * * إن التجنب إن تطاول منكما * دب السلو له فعز المطلب * ثم قال لأحد الرسل أبلغ الوزير أني قد قلت أربعة أبيات فإن كان فيها مقنع وجهت بها فعاد الرسول وقال هاتها ففي أقل منها مقنع وفي قدر الروي فكتب الأبيات وكتب تحتها أيضا السريع * لا بد للعاشق من وقفة * تكون بين الوصل والصرم * * حتى إذا الهجر تمادى به * راجع من يهوى على رغم *) فدفع الرقعة يحيى إلى الرشيد فقال والله ما رأيت شعرا أشبه بما نحن فيه من هذا الشعر والله لكأني قصدت به فقال يحيى والله يا أمير المؤمنين لأنت المقصود به فقال الرشيد يا غلام هات نعلي فإني والله أراجعها على رغم فنهض وأذهله السرور أن يأمر
(٣٦٦)