فقدم على المائدة جدي وكان في فمي لقمة أنا مشغول بها فلمحت موضعا من الجدي استطيبته وعملت على أن أمد يدي إليه فأخذه من كان إلى جانبي وأكله فنغص علي طعامي فاعتقدت في الحال إن الله وسع علي ومكنني أن أجعل على مائدتي لكل من حضرها جديا يخص كل واحد لا يشاركه فيه غيره ليأكل ما أحب من الجدي ولما قبض المقتدر على أبي الحسن ابن الفرات في وزارته الثانية في جمادى الأولى سنة ست وثلاثمئة طلب المقتدر حامد بن العباس وخرج الناس لتلقيه فدخل بغداد وخلع عليه للوزارة وتوجه إلى دار ابن الفرات بالمخرم ونزلها وأمر ونهى فتوجهت أم موسى القهرمانة ونصر الحاجب وشفيع المقتدري وابن الحوارى إلى أبي الحسن علي بن عيسى بن الجراح وقالوا له إن أمير المؤمنين ولى حامد بن العباس الوزارة وإنه ضعيف عن أمرها فأخرج أنت فتقلدها قال لا أفعل قالوا فعاونه ودع الاسم يكن له والأمر كله لك فأبى فعرفوا الصورة المقتدر فأمر بإجباره على ذلك فجاء علي بن عيسى فجلس بين يدي حامد فرفعه وجذبه حتى التصق معه فساره في مطالبة ابن الفرات بالأموال فقال له علي بن عيسى أما الأعمال كلها فاعملها للوزير واكفيه أمرها وأما مطالبة هؤلاء فالوزير أولى بها وأقدر عليها فكتب له حامد كتابا قلده فيه دواوين الخراج والضياع العامة والخاصة والمحدثة والمقبوضة مع حامد لما وصل بغداد أربعمئة غلام يحملون السلاح وتصرف علي بن عيسى تصرف الوزراء واشتغل حامد بن العباس بمطالبة ابن الفرات ووقعت بينه وبين علي بن عيسى المشاجرات والمناظرات في الأموال فقال بعض الشعراء من مخلع البسيط * أعجب من كل ما تراه * أن وزيرين في بلاد * * هذا سواد بلا وزير * وذا وزير بلا سواد * * فما رأينا كذين مثلا * ولا تراه إلى التناد * واستخرج حامد بن العباس من ابن الفرات ألف ألف دينار وعذبه بأنواع العذاب ولما فرغ من المصادرة بقي بلا عمل إلا اسم الوزارة والركوب يومي الموكب بسواد وسقطت حرمته) عند المقتدر وبان عجزه فأفرد علي بن عيسى بالأمور كلها وبطل حامد بن العباس لا يأمر في شيء ولا ينهى فاستأذن حامد المقتدر في ضمان السواد وأصبهان وبعض نواحي المغرب بمال عقده على نفسه ونجمه فأمضاه المقتدر وتوجه حامد إلى نواحي ضمانه وأقام بواسط فقال بعض الشعراء من الرجز * أنظر إلى الدهر ففي عجائبه * معتبر ينسيك عن نوائبه *
(٢١٢)