عاد من وقعة البلستين وأقام بالقصر الأبلق في دمشق فأحس في يوم الخميس رابع عشر المحرم يشرب القمز وبات على هذه الحال فأحس يوم الجمعة في نفسه توعكا فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر السلحدار فأشار عليه بالقيء فاستدعاه فاستعصى عليه فلما كان بعد الصلاة ركب من القصر إلى الميدان على عادته والألم يقوى عليه فلما أصبح اشتكى حرارة في بطنه فصنعوا له دواء فشربه ولم ينجع فلما حضر الأطباء أنكروا استعماله الدواء وأجمعوا على أن يسقوه مسهلا فسقوه فلم ينجع فحركوه بدواء آخر فأفرط الإسهال به ودفع دما محتقنا فتضاعفت حماه وضعفت قواه فتخيل خواصه أن كبده تتقطع وأن ذلك من سم شربه فعولج بالجوهر وذلك يوم عاشره ثم أجهده المرض إلى أن توفي يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وسبعين وست مائة فأخفوا موته وحمل إلى القلعة ليلا وغسلوه وحنطوه وصبروه وكفنه مهتاره الشجاع عنبر والفقيه كمال الدين الإسكندري المعروف بابن المبنجي والأمير عز الدين الأفرم وجعل في تابوت وعلق في بيت من بيوت البحرة بقلعة دمشق وقد ذكر في ترجمة الملك القاهر عبد الملك بن المعظم عيسى) فصل له تعلق بسبب وفاته رحمه الله تعالى فليؤخذ من هناك وكتب بدر الدين بيليك الخزندار مطالعة بيده إلى ولده الملك السعيد وركب الأمراء يوم السبت ولم يظهروا الحزن وكان الظاهر أوصى أن يدفن على السابلة قريبا من داريا وأن يبنى عليه هناك فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل السور فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم وأمر أن تبنى مدرسة للشافعية والحنفية ودار حديث وقبة للمدفن ولما نجزت حضر الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن الملك الظاهر وكان النائب عز الدين أيدمر فعرفاه ما رسم به الملك السعيد فحمل تابوته ليلا ودفن خامس شهر رجب الفرد من السنة فقال محيي الدين ابن عبد الظاهر ومن خطه نقلت * صاح هذا ضريحه بين جفني * فزوروا من كل فج عميق * * كيف لا وهو من عقيق جفوني * دفنوه منها بدار العقيق * وقال علاء الدين الوداعي * قل للملوك الميتين بجلق * يهنيكم هذا المليك الجار * * قوموا إليه تلتقوا تابوته * في جانبيه سكينة ووقار * وفي سنة سبع وسبعين وستمائة عملت أعزية الملك الظاهر بالديار المصرية وتقرر أن يكون أحد عشر يوما في مواضع مفرقة ونصبت الخيام العظيمة وصنعت الأطعمة الفاخرة واجتمع الخاص والعام وحملت الأطعمة إلى الربط والزوايا وحضر القراء والوعاظ إلى صلاة الفجر وخلع على جماعة من القراء والوعاظ وأجيز بعضهم بالجوائز السنية ذكر أولاده رحمه الله تعالى الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة وأمه بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي والملك نجم الدين خضر أمه أم ولد والملك بدر الدين سلامش وله من
(٢١١)