* سقى وحيا الله طيفا أتى * فقمت إجلالا وقبلته * * لشدة الشوق الذي بيننا * قد زارني حقا وقد زرته * وافى من الجناب العالي المحيوي آنس الله المملوك بقربه وحفظ عليه منزلته من قلبه وهداه إلى الطريق التي كان ظفر فيها بمطلب البلاغة من كتبه ولا شغله بسواه حتى لا يسمع غير كلامه ولا يرى غير شخصه ولا ينطق إلا بذكره لغلبة حبه وما زاره في المنام ولا أتاه في خفية واكتتام ولا شاهده بدعوى الإحلام بل فإن المنى أحلام المستيقظ وهو به طول المدى حالم والناس نيام ولا ينكر الإخلال بالمكاتبة على نائم القلم مرفوع عن النائم غير أن المملوك أماته الشوق فانتبه بعد ما رآه بعينه فهو لا يتأول ولا سيما في أمر ما اشتبه وما كانت زيارته له إلا منافسة له بظنه أن المملوك علقت به أسباب الكرى ومناقشة لطلبه زور الخيال حقيقة لما سرى لينفي الوسن عن نظره ثم ينصرف على أثره ولما سجدت له الأجفان ظن بها سنة فزارها منبها وما كان إلا ساهيا بمزاره عن خدمته فلا ينكر على جفنه السجود لما سها ولكم علة للشوق أطفأ حرها بمزاره وأعلق به أشراك الأجفان خيفة من نفاره وعقله بحبائل جفنيه خشية أن تنزع يد اليقظة حبيبه من يبن جنبيه وضمها على خياله ضم المحب للعناق يمينه على شماله ولكن ما فاز بالعناق إلا يد أو يدان وعناق المملوك للطيف من فرط الوجد بأربعة أيد من الأجفان وإن لم تؤخذ هذه الدعوى منه بالتسليم وقيل ما زاره بل استزاره فكر له في كل واد يهيم فبلى وحقه لقد قصد مزارا إن الكريم إذا لم يستزر زارا وتالله لقد وافاه ويسراه على حشاه ويمناه متشبثة بأذيال دجاه ومحبه فوجده على أبرح ما يكون من الوجد الذي عهده إلا أن ضيف الطيف ما أهتدى إلا بنار أشواقه وما سرى بل سار في ضياء من بارق دمعه وما يوري قدحا من سنابك براقه وتسور أسوار الجفون وخاض السيول من العيون فكتب ابن عبد الظاهر الجواب إليه عن ذلك * في النوم واليقظة لي راتب * عليك في الحالين قررته * * تفضل المولى إذا زاره * طيف خيالي منه أن زرته *) ورد على المملوكأدام الله نعمة الجناب الكمالي ولا أسهر جفنه إلا في سبيل المكارم ولا سهدها إلا في تأويل رؤيا مغارم الفضل التي يراها من جملة المغانم وجعله يتعزز بحلمه هفوة الطيف وكيف لا يحلم الحالمكتاب شريف حبب إليه التشبيه بنصب حبائل الهدب من الجفون والاستغشاء بالنعاس لعل خيالا في المنام يكون وليغنم اجتماعه ولو في الكرى وتصبح عينه مدينة وإن مضى عليها زمن وهي من القرى وينعم طرفه من التلاقي بأحسن الطرف ويقول هذا من تلك السجايا أطيب الهدايا ومن تلك المزايا ألطف التحف ويرفع محل الطيف فيرقيه من الهدب في سلالم لا بل يمطيه طرف طرفه ويجعلها له شكائم لا بل يرخيها لصونه أستارا ولا يصفها بأنها دخان إذ كان يجل موطن الطيف الكريم أن يؤجج نارا ويعظمه عن أنه إذا أرسل خياله رائدا أن يتبعه الناظر وأن يكلفه مشقة بسلوك مدارج الدموع إذ هي محاجر ثم
(١١٠)