تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٨ - الصفحة ٣٦٧
البلاد بالمغاني والطبول. ثم علق بسور باب الفراديس. فلما انكسروا دفنه المسلمون بمسجد الرأس الذي داخل باب الفراديس.
وكان رحمه الله أولا يداري التتار، فلما خبرهم انقبض منهم، ولما رآهم على قصده قدم دمشق مستنجدا بالملك الناصر، فأكرمه غاية الإكرام، وقدم له تقادم جليلة، ووعده بالنجدة، فرجع إلى ميافارقين، ولم يمكن الناصر أن ينجده.
ثم إن هولاوو سير ابنه أشموط لمحاصرته، فنازله نحوا من عشرين شهرا، وصابر الكامل القتال حتى فني أكثر أهل البلد، وعمهم القتل والوباء والغلاء المفرط والعدم.
قلت: حدثني شيخنا تاج الدين محمود بن عبد الكريم الفارقي، قال:
سار الملك الكامل بن غازي إلى قلاع بنواحي آمد فافتتحها، ثم سير إليها أولاده وأهله، وكان أبي في خدمته، فرحل بنا إلى حصن من تلك الحصون، فعبر علينا التتار فاستنزلوا أولاد الكامل بالأمان، ومروا بهم علينا، وعمري يومئذ سبع سنين ثم إنهم حاصروا ميافارقين، فبقوا نحو ثمانية أشهر.
فنزل عليهم الثلج والبرد حتى هلك بعضهم. وكان الملك الكامل يخرج إليهم ويحاربهم وينكي فيهم، فهابوه. ثم إنهم بنوا عليهم مدينة بإزاء البلد بسور وأبرجة.
وأما أهل ميافارقين فنفدت أقواتهم وجاعوا، حتى كان الرجل يموت في البيت فيأكلون لحمه. ثم وقع فيهم موتان، وفتر التتر عن قتالهم وصابروهم.
وفني أكثر أهل البلد. وفي آخر الأمر خرج بعض الغلمان إلى التتار، فأخبروهم بجلية الأمر، فما صدقوه وقالوا: هذه خديعة. ثم تقربوا إلى السور فبقوا عنده أسبوعا لا يجسرون على الهجوم، فدلى إليهم مملوك الكامل حبلا، فطلعوا إلى السور، فبقوا أسبوعا لا يجسرون على النزول إلى البلد. وكان قد بقي فيها نحو سبعين نفسا بعد ألوف من الناس.
ثم دخلت التتار على الكامل داره وأمنوه، وعذبوا أربعين رجلا على
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»