تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٨ - الصفحة ٣٥٩
قال: ولما قدم الملك الكامل إلى دمشق طلب من أخيه الأشرف أن يحضر له الشيخ ليراه، فأحضره من بعلبك. فلما رآه عظم في عينه، وأرسل إليه مالا فلم يقبله.
ولما ملك الصالح نجم الدين البلاد قالوا له عنه إنه يميل إلى عمه الصالح إسماعيل، فبقي في نفسه منه، فلما اجتمع به بالغ في إكرامه، ولم يشتغل عنه بغيره، فلما فارقه بالغ في الثناء عليه، فقيل له: إلا أنه يحب عمك الصالح. فقال: حاشى ذاك الوجه المليح.
وقدم في أواخر عمره دمشق سنة خمس وخمسين، فخرج الملك الناصر إلى زيارته بزاوية القرشي، وتأدب معه، وعظمه، واستعرض حوائجه.
وكان يكره الاجتماع بالملوك ولا يؤثره، ولا يقبل إلا هدية من مأكول ونحوه.
قلت: وقد خدمه مدة شيخنا علي بن أحمد بن عبد الدائم، فقال: كان للشيخ الفقيه أوراد، لو جاء ملك من الملوك ما أخرها عن وقتها. وكنت أخدمه، فورد الشيخ عثمان شيخ دير ناعس، فجلس ينتظر الشيخ، فقال:
أشتهي أن يكشف الشيخ الفقيه عن صدره فأعانقه، ويعطيني ثوبه. فلما جاء الشيخ وأكلوا، قال: قم يا شيخ عثمان. فكشف عن صدره وعانقه، وأعطاه ثوبه، وقال: كلما تقطع ثوب أعطيتك غيره.
وكان ما يرى إظهار الكرامات، وكان يقول: كما أوجب الله على الأنبياء عليهم السلام إظهار المعجزات، أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات.
قال: وذكروا مرة عنده الكرامات فقال: والكم أيش الكرمات. كنت عند الشيخ عبد الله وأنا صغير، وكان عنده بغاددة يعملون مجاهدات، فكنت أرى من يخرج من باب دمشق، وأرى الدنيا أمامي مثل الوردة فكنت أقول للشيخ: يا سيدي يجيء إلى عندك من دمشق أناس ومعهم كذا وكذا، وأناس من حمص ومن مصر، فإذا جاء ما أقول يقولون: يا سيدي، نحن نعمل مجاهدات وما نرى، وهذا يرى. فيقول: هذا ما هو بالمجاهدات، هذا موهبة من الله.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»