تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٧ - الصفحة ٣٨٧
لما توفي الصالح جمع فخر الدين ابن الشيخ الأمراء وحلفوا لهذا، وكان بحصن كيفا، ونفذوا في طلبه الفارس أقطايا، فساق على البريد، وأخذ على البرية به أيضا لئلا يعترضه أحد من ملوك الشام، فكاد أن يهلك من العطش، ودخل دمشق هو ومن معه، وكانوا خمسين فارسا، ساروا أولا إلى جهة عانة وعدوا الفرات، وغربوا على بر السماوة.
ودخل دمشق بأبهة السلطنة في أواخر رمضان، ونزل القلعة وأنفق الأموال، وأحبه الناس. ثم سار إلى الديار المصرية بعد عيد الأضحى، فاتفق كسرة الفرنج، خذلهم الله، عند قدومه، ففرح الناس وتيمنوا بطلعته. لكن بدت منه أمور نفرت منه القلوب، منها أنه كان في خفة وطيش.
قال الشيخ قطب الدين: كان الأمير حسام الدين ابن أبي علي ينوب للصالح نجم الدين فسير القصاد عند موته سرا إلى المعظم بحصن كيفا يستحثه على الإسراع، فسار مجدا، ونزل بحصن كيفا ولده الملك الموحد عبد الله وهو ابن عشر سنين، وسار يعسف البادية خوفا من الملوك الذين في طريقه، فدخل قلعة دمشق، ثم أخذ معه شرف الدين الوزير هبة الله الفائزي.
وكان حسام الدين المذكور قد اجتهد في إحضاره مع أن والده كان يقول: ولدي ما يصلح للملك. وألح عليه الحسام أن يحضره فقال: أجيبه إليهم يقتلونه. فكان كما قال.
وقال سعد الدين بن حمويه: قدم المعظم فطال لسان كل من كان خاملا في أيام أبيه، ووجدوه مختل العقل، سئ التدبير.
ودفع خبز فخر الدين ابن الشيخ بحواصله لجوهر الخادم للالاته. وانتظر الأمراء أن يعطيهم كما أعطى أمراء دمشق، فلم يروا لذلك أثرا. وكان لا يزال يحرك كتفه الأيمن مع نصف وجهه. وكثيرا ما يولع بلحيته، ومتى سكر
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»