تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٦ - الصفحة ٢٦٩
الملوك والعظماء بعد آل البرمك فعل فعله في العطاء. ومن سعادته أنه عاد أخوه الأوحد بخلاط، فتماثل ودخل الحمام، فأراد الأشرف الرجوع إلى حران، فقال له طبيب الأوحد: اصبر، فإن الأوحد ميت. فأقام ليلة ومات الأوحد، فاستولى على مملكة خلاط جميعها.
قلت: إلا أنه كان منهمكا في الخمر والملاهي. وكان مليح الشكل، حلو الشمائل، وافر الشجاعة، يقال: إنه لم تكسر له راية قط. وكان يحب الفقراء والصالحين، ويتواضع لهم، ويزورهم ويصلهم، ويجيز الشعراء. وكان في رمضان لا يغلق باب القلعة، ويخرج منها صحون الحلواء إلى أماكن الفقراء. وكان ذكيا، فطنا، يشارك في الصنائع، ومحاسنه كثيرة، الله يسامحه.
قال أبو المظفر: وكان يحضر الملك الأشرف مجالسي بخلاط وحران ودمشق، وكان عفيفا.
ولما كنت عنده بخلاط قال لي: والله ما مددت عيني إلى حريم أحد لا ذكر ولا أنثى. ولقد جاءتني عجوز من عند بيت شاه أرمن صاحب خلاط بورقة، فذكرت أن الحاجب عليا قد أخذ ضيعتها، فكتبت بإطلاقها، فقالت العجوز: هي تسأل الحضور بين يديك، فعندها سر، فقلت: بسم الله، فقامت وغابت ساعة ثم جاءت بها، فإذا هي امرأة ما رأيت أحسن من قدها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فخدمت، ووقفت، فقمت لها، وقلت: أنت في هذا البلد وما أعلم بك فسفرت عن وجه أضاءت منه المنظرة، فقلت: استتري، فقالت: مات أبي صاحب هذه المدينة، واستولى بكتمر على البلاد، وكان لي ضيعة أعيش منها أخذها الحاجب علي، وما أعيش إلا من عمل النقش وأنا في دور الكراء. فبكيت وأمرت لها بقماش، وأن يصلح دار لسكناها، وقلت: بسم الله. فقالت العجوز: يا خوند ما جاءت إلى خدمتك إلا حتى تحظى بك الليلة. فساعة سمعت كلامها، أوقع الله في قلبي تغير الزمان، وأن يملك خلاط غيري وتحتاج بنتي إلى أن تقعد مثل هذه القعدة فقلت: معاذ الله، والله ما
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»