تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٥ - الصفحة ٨٧
ونسي ثمانية أشهر، ثم أخرج وأعطي عشرة آلاف دينار، فذهب إلى خوارزم شاه، وصار صاحب خبر لهم، وسير جاسوسا يطلعه على أخبار عسكر خوارزم شاه لما وجه إلى بغداد، وكان لا يقدر أحد أن يدخل بينهم إلا قتلوه، فابتدأ الجاسوس وشوه خلقته وأظهر الجنون، وأنه قد ضاع له حمار فأنسوا به، وضحكوا منه، وتردد بينهم أربعين يوما، ثم عاد إلى بغداد، فقال: هم مائة وتسعون ألفا إلا أن يزيدوا ألفا أو ينقصوا ألفا.
وكان الناصر إذا أطعم، أشبع، وإذا ضرب، أوجع، وله مواطن يعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر. ووصل رجل معه ببغاء تقرأ قل هو الله أحد تحفة للخليفة من الهند، فأصبحت ميتة، وأصبح حيران، فجاءه فراش يطلب منه الببغاء، فبكى، وقال: الليلة ماتت، فقال: قد عرفنا هاتها ميتة، وقال: كم كان في ظنك أن يعطيك الخليفة قال: خمسمائة دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار خذها، فقد أرسلها إليك أمير المؤمنين، فإنه علم بحالك مذ خرجت من الهند وكان صدر جهان قد صار إلى بغداد ومعه جمع من الفقهاء، وواحد منهم لما خرج من داره من سمرقند على فرس جميلة، فقال له أهله: لو تركتها عندنا لئلا تؤخذ منك في بغداد فقال: الخليفة لا يقدر أن يأخذها مني، فأمر بعض الوقادين أنه حين يدخل بغداد يضربه، ويأخذ الفرس ويهرب في الزحمة، ففعل، فجاء الفقيه يستغيث فلا يغاث، فلما رجعوا من الحج خلع) على صدر جهان وأصحابه سوى ذلك الفقيه، وبعد الفراغ منهم، خلع عليه، وأخرج إلى الباب وقدمت له فرسه وعليها سرج من ذهب وطوق، وقيل له: لم يأخذ فرسك الخليفة، إنما أخذها أتوني، فخر مغشيا عليه، وأسجل بكراماتهم.
قلت: يجوز أن يكون الخليفة أو لبعض خواصه رئي من الجن، فيخبره بأضعاف هذا، والخطب في هذا سهل، فقد رأينا أنموذج هذا في زماننا بل وأكثر منه.
قال الموفق عبد اللطيف: وفي وسط ولايته اشتغل برواية الحديث، واستناب نوابا في ذلك، وأجرى عليهم جرايات، وكتب للملوك والعلماء
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»