تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٥ - الصفحة ٨٦
وبلبلوا لبه، وشتتوا شمله، وملكوا عليه أقطار الأرض، حتى ضاقت عليه بما رحبت، وصار أين توجه، وجد سيوفهم متحكمة فيه، فتقاذفت به البلاد حتى لم يجد موضعا يحويه، ولا صديقا يؤويه، فشرق وغرب، وأنجد وأسهل، وأصحر وأجبل، والرعب قد ملك لبه، فعند ذلك قضى نحبه.
قال: وكان الشيخ شهاب الدين لما جاء في الرسالة خاطبه بكل قول ولاطفه، ولا يزداد إلا طغيانا وعتوا، ولم يزل الإمام الناصر مدة حياته في عز وجلالة، وقمع للأعداء، واستظهار على الملوك، لم يجد ضيما، ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلا دمغه، وكل من أضمر له سوءا رماه الله بالخذلان. وأباده. وكان مع سعادة جده شديد الاهتمام بمصالح الملك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيته كبارهم وصغارهم. وأصحاب أخباره في أقطار البلاد يوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة حتى يشاهد جميع البلاد دفعة واحدة.) وكانت له حيل لطيفة، ومكايد غامضة، وخدع لا يفطن لها أحد. يوقع الصداقة بين ملوك متعادين وهم لا يشعرون، ويوقع العداوة بين ملوك متفقين وهم لا يفطنون. قال: ولو أخذنا في نوادر حكاياته، لاحتاجت إلى صحف كثيرة.
ولما دخل رسول صاحب مازندران بغداد، كانت تأتيه ورقة كل صباح بما عمل في الليل، فصار يبالغ في التكتم، والورقة تأتيه، فاختلى ليلة بامرأة دخلت من باب السر، فصبحته الورقة بذلك، وفيها: كان عليكم دواج فيه صورة الأفيلة. فتحير، وخرج من بغداد وهو لا يشك أن الخليفة يعلم الغيب لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل، وما وراء الجدار. وقيل: إن الناصر كان مخدوما من الجن.
وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية وكتاب مختوم، فقيل: ارجع، فقد عرفنا ما جئت به، فرجع وهو يظن أنهم يعلمون الغيب.
ووصل رسول آخر فقال: الرسالة معي مشافهة إلى الخليفة، فحبس،
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»