أحضر جابي العزيزية، وطلب الحساب فأغلظ له في الخطاب، فأمر بضربه بين يديه كما يفعل الولاة. فوجد المعظم سبيلا إلى إظهار ما في نفسه. وكان الجمال المصري وكيل بيت المال عدوا للقاضي، فجاء فجلس عند القاضي والشهود حاضرون فبعث المعظم بقجة فيها قباء وكلوته، وأمره أن يحكم بين الناس وهما عليه، فقام ولبسها، وحكم بين اثنين.
قال أبو شامة: والجابي المذكور هو السديد سالم بن عبد الرزاق، خطيب عقربا، وجاء الذي لبسه الخلعة إلى عند شيخنا الخاوي، فحدثه، فتأوه شيخنا فضرب بيده على الأخرى. فكان مما حكى، قال: أمرني السلطان أن أقول له: السلطان يسلم عليك، ويقول لك: إن الخليفة سلام لله عليه، إذا أراد أن يشرف أحدا خلع عليه من ملابسه، ونحن نسلك طريقه، وقد أرسل إليك من ملابسه، وأمر أن تحكم بها. وفتحت البقجة، فلما نظر إليها وجم، فأمرته التوقف فمد يده، ووضع القباء على كتفيه، ووضع عمامته وحط الكلوته على رأسه، ثم قام، ودخل بيته.
قال أبو شامة: ومن لطف الله به أن كان مجلس الحكم في داره، ثم لزم بيته، ولم تطل حياته بعدها، ومات في صفر. رمى قطعا من كبده، وتأسف الناس لما جرى عليه. وكان يحب أهل الخير، ويزور الصالحين. وبقي نوابه يحكمون بين الناس بالجامع: القاضي شمس الدين أبو نصر ابن الشيرازي، والقاضي شمس الدين ابن سني الدولة وكان ابن سني الدولة يجلس) للحكم بشباك الكلاسة، والنائب الثالث شرف الدين ابن الموصلي الحنفي وكان يحكم بالطرخانية بجيرون، ثم بعد مدة أضيف إليهم الجمال المصري.
قال أبو المظفر ابن الجوزي وكانت واقعة قبيحة، ولقد قلت له يوما: ما فعلت إلا بصاحب الشرع ولقد وجب عليك دية القاضي. فقال: هو أحوجني