تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٤ - الصفحة ٢٩
وترددت الرسل في الصلح، وبذل المسلمون لهم تسليم بيت المقدس، وعسقلان، وطبرية، وصيدا، وجبلة، واللاذقية، وجميع ما فتحه صلاح الدين رحمه الله سوى الكرك، فلم يرضوا، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب بيت المقدس ليعمروه بها، فلم يتم أمر، وقالوا: لا بد من الكرك. فاضطر المسلمون إلى قتالهم، وكان الفرنج لاقتدارهم في نفوسهم لم يستصحبوا معهم ما يقوتهم عدة أيام، ظنا منهم أن العساكر الإسلامية لا تقوم لهم، وأن القرى تبقى بأيديهم وتكفيهم. فعبر طائفة من المسلمين إلى الأرض التي عليها الفرنج ففجروا النيل، فركب أكثر تلك الأرض، ولم يبق للفرنج جهة يسلكونها غير جهة واحدة ضيقة، فنصب الكامل الجسور على النيل، وعبرت العساكر، فملكوا قفبلرلا الطريق التي يسلكها الفرنج إلى دمياط، ولم يبق لهم خلاص، ووصل إليهم مركب كبير وحوله عدة حراقات، فوقع عليها شواني المسلمين، وظفر المسلمون بذلك كله، فسقط في أيدي الفرنج، وأحاطت بهم عساكر المسلمين، واشتد عليهم الأمر، فأحرقوا خيامهم ومجانيقهم وأثقالهم، وأرادوا الزحف إلى المسلمين فعجزوا وأذلوا فراسلوا الكامل يطلبون الأمان ليسلموا دمياط بلا عوض، فبينما المراسلات مترددة، إذ أقبل جمع كبير لهم رهج شديد وجلبة عظيمة من جهة دمياط، فظنه المسلمون نجدة للفرنج، فإذا به الملك المعظم، فخذل الفرنج، لعنهم الله، وسلموا دمياط، واستقرت القاعدة في سابع رجب سنة ثمان عشرة، وتسلمها المسلمون بعد يومين، وكان يوما مشهودا فدخلها العسكر، فرأوها حصينة قد بالغ الفرنج في تحصينها بحيث بقيت لا ترام، فلله الحمد على ما أنعم به. وهذا كله ساقه ابن الأثير رحمه الله متتابعا في سنة أربع عشرة.
وقال غيره وهو سعد الدين مسعود بن حمويه فيما أنبأنا: لما تقرر الصلح جلس السلطان في خيمته، وحضر عنده الملوك، فكان على يمين السلطان
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»