تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٩ - الصفحة ٣٧٤
قال ابن عساكر: وقد كان شاور السعدي أمير الجيوش بمصر وصل إلى جنابه مستجيرا له لما عاين الدهر، فأكرمه وأكرم مورده واحترمه، وبعث معه جيشا لرده إلى درجته، فوصلوا معه، وقتلوا خصمه، ولم يقع منه الوفاء بما ورد من جهته، فأصر على المشاققة وكابر، واستنجد بالعدو المخذول، فأنجدوه، وضمن لهم الأموال العظيمة، فرجع عسكر نور الدين، فحدث صاحب الفرنج نفسه بأخذ مصر، فتوجه إليها بعد سنين لينتهز الفرصة، فأخذ بلبيس، وخيم بعرصة مصر، فلما بلغ نور الدين ذلك، بذل جهده في توجيه الجيش إليها، فلما سمع العدو بمجيء الجيش رجعوا، وأمن أهل مصر بقدوم الجيش وانتعشوا، واطلع من شاور على المخامرة، وأنه أنفذ يراسل العدو ليردهم إلى مصر، ويدفع بهم الجيش، فلما عرف غدره تمارض أسد الدين، فجاء شاور يعوده، فوثب جورديك وبزغش النوريان فقتلاه، وأراح الله منه، وصفى الأمر لأسد الدين، وتملك وحمدت سيرته، وظهرت السنة بمصر.
وكان حسن الخط، حريصا على تحصيل الكتب الصحاح والسنن، كثير المطالعة للفقه، والحديث، مواظبا على الصلوات في جماعة، كثير التلاوة، والصيام، والتسبيح، عفيفا، متحريا في المطعم والمشرب، عريا عن التكبر.
وكان ذا عقل متين ورأي رهين، مقتديا بسيرة السلف، متشبها بالعلماء والصلحاء. روى الحديث وأسمعه بالإجازة. وكان من رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.
ولقد حكى عنه من صحبه في حضره وسفره أنه لم يسمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها، وإرشاد إلى سنة يتبعها، يؤآخي الصالحين ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم. ومتى تكررت الشكاية) من ولاته عزلهم. وأكثر ما
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»