قال ابن الجوزي: وكان يبالغ في تحصيل التعظيم للدولة، قامعا للمخالفين بأنواع الحيل. حسم أمور السلاطين السلجوقية، وكان شحنة، قد أذاه في صباه، فلما وزر أحضره وأكرمه. وكان يتحدث بنعم الله، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم.
ثم قال: نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به، وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، وكان يبذل لهم الأموال. وكانت السنة تدور وعليه ديون وقال: ما وجبت علي زكاة قط.
وكان إذا استفاد شيئا قال: أفادنيه فلان. أفدته معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي. فكنت أستحي من الجماعة. وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة، وأذن للعوام في الحضور. وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا، فأعجب وقال لزوجته: أريد أن أزوجه بابنتي. فغضبت الأم من ذلك. وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر.
فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة، فخالف فيها الجميع وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت أما ترى الكل يخالفونك فلما كان في اليوم الثاني قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم.
فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه وقال:) أنا أولى بالاعتذار. وجعل يقول: القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي قال: لا بد.