تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٠ - الصفحة ٤٢٧
في تهيئة أسبابه، واستدعى الكل إلى متابعته، وطلب من السلطان ذلك فأجيب، وأرسل إليه الخلع ولقب بأبيه جمال الإسلام، وصار ذا رأي وشجاعة ودهاء، فظهر له القبول عند الخاص والعام، حتى حسده الأكابر وخاصموه، فكان يخصمهم ويتسلط عليهم، فبدا له خصوم، واستظهروا بالسلطان عليه وعلى أصحابه، وصارت الأشعرية مقصودين بالإهانة والطرد والنفي، والمنع عن الوعظ والتدريس، وعزلوا عن خطابة الجامع.
ونبغ من الحنفية طائفة شربوا في قلوبهم الاعتزال والتشيع، فخيلوا إلى ولي الأمر الإزراء بمذهب الشافعي عموما، وتخصيص الأشعرية، حتى أدى الأمر إلى توظيف اللعنة عليهم في الجمع. وامتد الأمر إلى تعميم الطوائف باللعن في الخطب.
واستعلى أولئك في المجامع، فقام أبو سهل أبلغ قيام، وتردد إلى العسكر في دفع ذلك، إلى أن ورد الأمر بالقبض على الرئيس الفراتي، والقشيري، وأبي المعالي بن الجويني، وأبي سهل بن) الموفق، ونفيهم ومنعهم عن المحافل. وكان أبو سهل غائبا إلى بعض النواحي، ولما قريء الكتاب بنفيهم أغري بهم الغاغة والأوباش، فأخذوا بأبي القاسم القشيري والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما، وحبسا بالقهندر.
وكان ابن الجويني أحس بالأمر، فاختفى وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز. وبقيا في السجن مفترقين أكثر من شهر، فتهيأ أبو سهل من ناحية باخرز، وجمع من شاكريته وأعوانه رجالا عارفين بالحرب، وأتى بابن البلد، وطلب تسريح الفراتي والقشيري، فما أجيب، بل هدد بالقبض عليه، فما التفت، وعزم على دخول البلد ليلا، والاشتغال بإخراجهما مجاهرة ومحاربة.
وكان متولي البلد قد تهيأ للحرب، فزحف أبو سهل ليلا إلى قرية له على باب البلد، وهيأ الأبطال، ودخل البلد مغافصة إلى داره، وصاح من معه بالنعرات العالية، ورفعوا عقائرهم، فلما أصبحوا ترددت الرسل والنصحاء في الصلح، وأشاروا على الأمير بإطلاق الرئيس والقشيري، فأبى، وبرز برجاله، وقصد محلة أبي سهل، فقام واحد من أعوان أبي سهل واستدعى منه كفاية تلك النائرة إياه أصحابه، فأذن لهم، فالتقوا في السوق، وثبت هؤلاء حتى فرغ نشاب أولئك،
(٤٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 ... » »»