تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٢٩
4 (وصية ابن سينا)) لأبي سعيد بن أبي الخير الصوفي الميهني، قال: ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسك مكحولة بالنظر إليه، وقدمها موقوفة على المثول بين يديه، مسافرا بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر، تجلى لكل شيء بكل شيء، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. فإذا صارت هذه الحال له ملكة انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلى له قدس اللاهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق اللذة القصوى، وأخذه عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السكينة، وحقت له الطمأنينة. وتطلع على العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخف لثقله، مستخش به لعلقه، مستضل لطرقه، وتذكر نفسه وهي بها بهجة، وببهجتها بهجة، فيعجب منها ومنهم تعجبهم منه، وقد ودعها، وكان معها كأن ليس معها، وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي المراءآة، وأن تخلص النفس عن الدرن، ما التفتت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أم الفضائل، ومعرفة الله أول الأوائل إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.
إلى أن قال: وأما المشروب فيهجر شربه تلهيا لا تشفيا وتداويا، ويعاشر
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»