تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٩ - الصفحة ٢٢٠
يقولانه ولا تقبله نفسي. وأخذوا يدعونني إليه ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة والحساب، وأخذ يوجهني إلى من يعلمني الحساب.
ثم قدم بخارى أبو عبد الله الناتلي الفيلسوف، فأنزله أبي دارنا. وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى الشيخ إسماعيل الزاهد.
وكنت من أجود السالكين. وقد ألفت المناظرة والبحث. ثم ابتدأت على الناتلي، بكتاب إيساغوجي. ولما ذكر لي أن حد الجنس هو القول على كثيرين مختلفين بالنوع، وأخذته في تحقيق هذا الحد ما لم يسمع بمثله، تعجب مني كل التعجب، وحذر والدي من شغلي بغير العلم.
وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيرا منه، حتى قرأت ظواهر المنطق عليه، وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر.
ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي، وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق. وكذلك كتب إقليدس، فقرأت من أوله إلى خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم توليت بنفسي حل باقيه وانتقلت إلى المجسطي، ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إلى الأشكال الهندسية قال لي الناتلي: حلها وحدك، ثم أعرضها لأبين لك. فكم من شكل ما عرفه الرجل إلا وقت عرضته عليه وفهمته إياه. ثم سافر.
وأخذت في الطبيعي والإلهي. فصارت الأبواب تنفتح علي، ورغبت في
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»