تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨
وسكنها ليغير كل وقت، وترك أبناءه بالقسطنطينية، فبعث أهل طرسوس والمصيصة إليه يسألوه أن يقبل منهم حملا كل سنة، وينفذ إليهم نايبا له يقيم عندهم، فأجابهم، ثم رأى أن أهل البلاد قد ضعفوا جدا وأنهم لا ناصر لهم، وأنهم من القحط قد أكلوا الميتة والكلاب، وأنه يخرج كل يوم من طرسوس ثلاثمائة جنازة، فبدا له في الإجابة، ثم أحضر رسولهم وقال: مثلكم مثل الحية في الشتاء إذا لحقها البرد ضعفت وذبلت حتى يظن الظان أنها ميتة، فإذا أخذها إنسان وأحسن إليها ودفاها انتعشت ولذعته قتلته، وأنا إن أترككم حتى تستقيم أحوالكم تأذيت بكم، ثم أحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته، وقال: قم، ما لهم عندي إلا السيف. ثم سار بنفسه إلى المصيصة ففتحها بالسسيف في رجب، وقتل وسبي وأسر ما لا يحصى، ثم سار إلى طرسوس فحاصرها، فطلب أهلها أمانا، فأعطاهم، ففتحوا له، فدخلها، ولقي أهلها بالجميل، وأمرهم بالخروج منها وأن يحمل كل واحد من ماله وسلاحه ما أطاق، ففعلوا، وبعث من يخفرهم إلى أنطاكية، وجعل الجامع إصطبلا لدوابه، وعمل فيها وفي المصيصة جيشا يحفظونهما وأمر بتحصينهما. وقيل رجع جماعة من أهل المصيصة إليها وتنصروا.
وكان السبب في فتح المصيصة أنهم هدموا سورها بالثقوب، فأشار عليهم رجل بحيث أن يخرجوا الأساري ليعطف عليهم الملك نقفور، فأخرجوهم، فعرفه الأساري بعدم الأقوات،) وأطمعوه في فتحها، فزحف عليها. ولقد قاتل أهلها في الشوارع حتى أبادوا من الروم أربعة آلاف، ثم غلبوهم بالكثرة وقتلوهم وأخذوا من أعيانهم ماية ضربوا رقابهم بإزاء طرسوس، فأخرج أهل طرسوس من عندهم من الأسرى فضربوا أعناقهم على باب البلد، وكانوا ثلاثة آلاف.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»