تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٣ - الصفحة ٤٦
سمعت محمد بن علي الحضرمي بالنيل يقول: سمعت والدي يقول: كنت جالسا عند الجنيد، إذ ورد شاب حسن الوجه، عليه خرقتان، فسلم وجلس ساعة، ثم اقبل عليه الجنيد فقال: سل ما تريد.
فقال: ما الذي بائن الخليقة عن رسوم الطبع فقال الجنيد: أرى في كلامك فضولا، لم لا تسأل عما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك فسكت، وسكت الجنيد ساعة، ثم أشار إلى أبي محمد الجريري أن قم، فقمنا، وتأخرنا قليلا، فأقبل الجنيد يتكلم عليه، وأقبل هو يعارضه، إلى أن قال: أي خشبة تفسد فبكى وقام، فتبعه الجريري إلى أن خرج إلى مقبرة وجلس، فقال لي أبو محمد الجريري: قلت في نفسي: هو في حدة شبابه واستوحش منا، وربما به فاقة. فقصدت صديقا لي فقلت: اشتر خبزا وشواء وفالوذج بسكر، واحمله إلى موضع كذا وكذا، مع ثليجة ماء وخلال، وقليل أشنان. وبادرت إليه، فسلمت وجلست عنده، وكان قد جعل رأسه بين ركبتيه، فرفع رأسه وانزعج، وجلس بين يدي، وأخذت ألاطفه وأداريه إلى أن جاء صديقي. ثم قلت له: تفضل.
فمد يده وأكل قليلا.
ثم قلت له: من أين القصد ومن أين القصر قال: من البيضاء، إلا أني ربيت بجوزستان والبصرة.
فقلت: ما الاسم قال: الحسين بن منصور.
وقمت وودعته، ومضى على هذا خمس وأربعون سنة، ثم سمعت أنه صلب وفعل به ما فعل.
وقد ذكره السلمي في تاريخه، ثم قال: فهذه أطراف مما قال المشايخ فيه من قبول ورد، والله أعلم بما كان عليه. وهو إلى الرد أقرب.
وقد هتك الخطيب حال الحلاج في تاريخه الكبير، وشفى وأوضح أنه
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»