فبكى لله المتوكل طويلا، وأمر برفع الشراب، وقال: يا أبا الحسن لقد لينت هنا قلوبا قاسية. أعليك دين قال: نعم، أربعة آلاف دينار.
فأمر له ورده مكرما.
وحكى المسعودي أن بغا الصغير دعا بباغر التركي، وكان باغر أهوج مقداما، فكلمه واختبره في أشياء، فوجده مسارعا إليها، فقال: يا باغر هذا المنتصر قد صح عندي أنه عامل على قتلي، وأريد أن تقتله، فكيف قلبك ففكر طويلا ثم قال: هذا لا شيء، كيف نقتله وأبوه، يعني المتوكل، باق، إذا يقتلكم أبوه.
قال: فما الرأي عندك قال: نبدأ بالأب.
قال: ويحك، وتفعل قال: نعم، وهو الصواب.
قال: أنظر ما تقول.
وردد عليه، فوجده ثابتا، ثم قال له: فآدخل أنت على إثري فإن قتلته وإلا فآقتلني وضع سيفك علي وقل: أراد أن يقتل مولاه.
فتم التدبير لبغا في قتل المتوكل.
حدث البحتري قال: اجتمعنا في مجلس المتوكل، فذكر له سيف هندي، فبعث إلى اليمن فآشتري له بعشرة آلاف وأتي به فأعجبه، ثم قال للفتح: ابغني غلاما أدفع إليه هذا السيف لا يفارقني به.
فأقبل باغر التركي، فقال الفتح بن خاقان: هذا موصوف بالشجاعة والبسالة فدفع المتوكل إليه السيف وزاد في أرزاقه، فوالله ما انتصى ذلك السيف إلى ليلة ضربه بها باغر. فلقد رأيت من المتوكل في الليلة التي قتل فيها عجبا.