لأتمنى الموت في هذا، وذلك أن هذا، وذلك أن فتنة الدنيا، وذاك كان فتنة الدين.
ثم جعل يضم أصابعه ويقول: لو كان نفسي في يدي لأرسلتها. ثم يفتح أصابعه.
وكان المتوكل كل يوم يوجه في كل وقت يسأله عن حاله، وكان في خلال ذلك يأمر لنا بالمال ويقول: يوصل إليهم، ولا يعلم شيخهم فيغتم. ما يريد منهم إن كان هو لا يريد الدنيا، فلم يمنعهم وقالوا للمتوكل: إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرم الذي تشرب. فقال لهم: لو نشر المعتصم وقال فيه شيئا لم أقبل منه.
قال صالح: ثم آنحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد الله عنده، فإذا عبد الله قد قدم، وجاء بثيابي التي كانت عنده. فقلت: ما جاء بك فقال: قال لي: انحدر، وقل لصالح لا يخرج، فأنتم كنتم آفتي. والله، لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة ولمن كان تفرش هذه الفرش ويجرى هذا الإجراء فكتبت إليه أعلمه ما قال لي عبد الله، فكتب إلي بخطه: أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله: لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل. إذا كنتم هنا فشا ذكري. وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خيرا. فإن أقمت فلم تأتني أنت ولا أخوك فهو رضائي، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا، والسلام عليك ورحمة الله.
قال: ولما خرجنا من العساكر رفعت المائدة والفرش وكل ما أقيم لنا.