تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٩
وأما مسألة خلق القرآن فلم يرجع عنها وصمم عليها في سنة ثمان عشرة. وامتحن العلماء، فعوجل ولم يمهل. توجه غازيا إلى أرض الروم فلما وصل إلى البذندون واشتد به الأمر أوصى بالخلافة إلى أخيه المعتصم.
وكان قد افتتح في غزوته أربعة عشر حصنا. ورد فنزل على عين البذندون، فأقام هناك واعتل.
قال المسعودي: أعجبه برد ماء العين وصفاؤها، وطيب الموضع وكثرة الخضرة.
وقد طرح له درهم في العين، فقرأ ما عليه لفرط صفائها. ولم يقدر أحد أن يسبح فيها لشدة بردها. فرأى سمكة نحو الذراع كأنها الفضة. فجعل لمن يخرجها سيفا، فنزل فراش فاصطادها وطلع، فاضطربت وفرت إلى الماء فتنضح صدر المأمون ونحره وابتل ثوبه. ثم نزل الفراش ثانية وأخذها. فقال المأمون: تقلى الساعة. ثم أخذته رعدة فغطي باللحف وهو يرتعد ويصيح.
فأوقدت حوله نار. ثم أتي بالسمكة فما ذاقها لشغله بحاله. فسأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه عن مرضه، فجساه، فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال، منذرا بالفناء، ورأيا عرقا سائلا منه كلعاب اللاغية فأنكراه ولم يجداه في كتب الطب.
ثم أفاق المأمون من غمرته، فسأل عن تفسير اسم المكان بالعربي، فقيل له: مد رجليك.
فتطير به. وسأل عن اسم البقعة، فقيل الرقة. وكان فيما عمل من مولده أنه يموت بالرقة.
فكان يتجنب النزول بالرقة. فلما سمع هذا من الروم عرف وأيس، وقال: يا من لا يزول ملكه) ارحم من قد زال ملكه.
وأجلس المعتصم عنده من يلقنه الشهادة لما ثقل. فرفع الرجل بها صوته، فقال له ابن ماسويه: لا تصيح، فوالله ما يفرق الآن بين ربه وبين ماني. ففتح
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»